قديم 2014-07-01, 23:25
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية يونس
يونس
:: سوفت ماسي ::
  • Algeria
لماذا لا نتأثّر بالقرآن؟-سلطان بركاني-

لماذا لا نتأثّر بالقرآن؟-سلطان بركاني-

ثلاث ليال انقضت من شهرنا الفضيل، صلّينا فيها التراويح في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وسمعنا خلالها أجزاءَ من كتاب الله، لا شكّ أنّ بيننا من سمعوها بقلوب خاشعة وأرواح خاضعة، كما أنّ بيننا أيضا من سمعوها وأرواحهم غافلة، وقلوبهم في أودية الدّنيا ولججها هائمة، وقد حُقّ لمن هذه حاله منّا أن يسألوا أنفسهم: لماذا لا نخشع ولا نخضع ولا نجد حلاوة لسماع كلام الله؟ كلام لو أنزل على جبل لصار ترابا يمرّ على أسماعنا فلا يؤثّر في قلوبنا ولا يهزّ أرواحنا؟! إنّها قسوة القلوب، وقسوة القلوب بسبب الذّنوب والغفلة عن الموعد بين يدي الله علاّم الغيوب، الذي توعّد أصحاب القلوب القاسية فقال: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}.

وكيف لا تقسو قلوبنا وقد هجرنا القرآن في غير رمضان؛ زيّنا بآياته الجدر والرّفوف ولم نزيّن به قلوبنا، قرأنا حروفه وضيّعنا حدوده، بل منّا من ضيّع حروفه وحدوده، منّا من لا يفتح المصحف في الشّهر ولو مرّة واحدة، وإن فتحه قرأه وقلبه ساه لاه، لا يجد له حلاوة ولا طلاوة، بل لا يشعر أنّه مخاطب به.

إنّ القرآن لم ينزل لتزيَّن به الخزائن والرّفوف والجُدر، ولا ليُقرأ في المآتم وتفتتح به الجلسات أو ليتبرّك به، وإنّما لنعيشه واقعا في حياتنا، فتكون بيوتنا بالقرآن، بواطننا وظواهرنا بالقرآن، أعمالنا ومعاملاتنا بالقرآن، كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قرآنا يمشي على الأرض.

لقد حقّ لنا ونحن نعيش شهر القرآن أن نسأل أنفسنا: من منّا يتدارس القرآن مع زوجته وأبنائه ولو في الأسبوع مرّة؟ من منّا يحفظ كلّ يوم آية من كتاب الله ويلزم نفسه العمل بمقتضاها؟. كان صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لا يتجاوزون عشر آيات من كتاب الله أنزلت إلى غيرها حتّى يعملوا بها ويعلّموها زوجاتهم وأبناءهم. أضاءوا به لياليهم متهجّدين وأناروا به أيامهم عاملين جادّين، فأنار الله قلوبهم ووجوههم وسادوا الدّنيا. ونِمنا نحن عنه باللّيل وهجرناه بالنّهار فقست قلوبنا وغفلت أرواحنا، وأشرِبنا كؤوس الذّل والهوان كلّها.

فعودة عودة إلى كتاب الله. ليكن هذا الشّهر المبارك منطلقنا في تصحيح أحوالنا مع القرآن.. فيا من تشكو قلّة ذات يدك، اقرأ القرآن يجعل الله غناك في قلبك ويغنك عمّا في أيدي النّاس. يا من تشكو قسوةً في قلبك، أكثر من قراءة القرآن بتمعّن، حاول أن تتدبّره، وإن ثقل عليك فاصبر، فوالله ثمّ والله لتجدنّ لدوام تلاوته أثرا ولو بعد }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى_ ذِكْرِ اللَّهِ{. يا من تشكو كثرة الوساوس والهواجس والهموم والغموم، اقرأ القرآن ففيه الشفاء والرحمة } وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {.

يا من تبت ثمّ عدت إلى ذنوبك، إنّ الله يقول } كَذَ_لِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً {، رتّل القرآن وادعُ الله بحقّ تلاوته أن يثبّت فؤادك ويخرج من نفسك حبّ الدّنيا والتّعلّق بالشّهوات.

يا من تبحث عن السّعادة، إنّ من أسعد اللّحظات في حياة العبد المؤمن تلك اللحظات التي يفتح فيها كتاب الله ويستفتح تلاوته فيحسّ أنّه مخاطب بتلك الآيات، يحسّ أنّ الله -جلّ وعلا- يناديه ويناجيه بتلك الكلمات، يزجره ويأمره، يرغّبه ويرهّبه، يحسّ بأنّ روحه تصّعّد إلى السّماء، يحسّ بسعادة أيّ سعادة. يَعرض حاله على تلك الآيات، على تلك الأوامر والنّواهي والزّواجر. يحسّ أنّه قد فرّط في جنب الله. يحسّ بحاجة إلى البكاء. يتمنّى لو يعود به الزّمن إلى الوراء ليمحو صفحات لطالما لطّخها بالسّواد، لطالما سوّدها بالغفلة والسّهاد. ولعلّ من أعظم تلك الآيات تأثيرا في النّفوس تلك التي يتحبّب فيها الله إلى عباده المؤمنين مناديا إياهم بـ }يا أيّها الذين آمنوا{ أو }يا أيّها النّاس{ أو }يا عبادي{.. فما يأتي بعدها يكون موعظة لو اجتمع أبلغ الوعّاظ على يأتوا بمثلها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وأيّ سعادة وأيّ لذّة أعظم من أن يستشعر العبد أنّ ربّ السّماوات والأرض يناديه ويخاطبه بلفظ العبودية وبلفظ الإيمان.
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


لماذا لا نتأثّر بالقرآن؟-سلطان بركاني-


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »


الانتقال السريع


الساعة الآن 22:29
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc