تؤكد دراسة جِدِّيَّة أجراها العلماء على بقايا أكفان من مقابر بالصعيد المصري — تعود لعصور ما قبل التاريخ — أن بداية عملية التحنيط قد سبقت التوقيت المتعارَف عليه بما لا يقل عن ألف وخمسمائة عام؛ أي قبل ما يقرب من 6500 عام مضت …




ساد الاعتقاد بين المؤرخين أن التحنيط عند المصريين القدماء قد بدأ في الدولة القديمة قبل 4500 سنة مضت. ولم تَحْظَ بقايا المدافن التي تعود لعصور ما قبل التاريخ باهتمام الباحثين؛ ظنًّا منهم أن العوامل الجوية — من حراة الطقس وجفافه في الصحراء المصرية — هي التي حفظتها عبر العصور المختلفة. وظلت بقايا الأكفان من مواقع الدفن بالصعيد المصري — والتي تعود للعصر الحجري — راقدة بمتحف بولتون البريطاني عقودًا طويلة دون دراسة، حتى استرعى انتباهَ خبراء النسيج والكيمياء العضوية والمصريات بجامعات أكسفورد ويورك وماكوراي تشبُّعُ الأربطة الكتانية لأكفان من منطقة المستجدة بالصعيد — والتي تعود إلى الفترة ما بين 4500 و3100 عام قبل الميلاد — بمادة «الراتينج» المستخدَمة في التحنيط. وباستخدام العديد من تقنيات فصل وتحليل المكونات الكيميائية للمواد التي تشبعت بها 23 عينة من تلك الأكفان للتعرف على جزيئاتها، فوجئ الباحثون بتشابه تلك المواد مع خليط المواد المستخدمة في التحنيط في الدولة القديمة وما تلاها حين كانت الحضارة الفرعونية في أوْجها. وبالإضافة إلى مادة «الراتينج» تضمَّن الخليطُ دهونًا حيوانية ومستخلصات نباتات عطرية وصمغًا طبيعيًّا ونفطًا طبيعيًّا، وجميعها موادُّ لها أثر مضاد للبكتيريا والتحلُّل. وتعود أصول بعض تلك المواد إلى مناطق بعيدة مثل تركيا، وأخرى مصدرها بحري، كما وجد الباحثون آثار معالجةٍ بالتسخين؛ مما يدل على عملية بحث وتطوير لعملية التحنيط بدأت في توقيت سبق المتعارَف عليه بما لا يقل عن ألف وخمسمائة عام، وتخلُص الدراسة إلى أن بداية التحنيط تعود إلى سنة 4500 قبل الميلاد.