قديم 2016-08-21, 17:27
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية iyad05
iyad05
:: سوفت ماسي ::
افتراضي فتوحات المسلمين في فرنسا

فتوحات المسلمين في فرنسا



منذ دخل المسلمون الأندلس، عام 92 هـ، وأسسوا دولتهم وحضارتهم؛ وضعوا أعينهم نصب غاليس (فرنسا)، وأصبحت هدفًا لفتوحات المسلمين، وقد كانت أولى غزوات المسلمين هناك بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، حيث وصلت قواتهم إلى مشارف حدود فرنسا؛ لتأمين الأندلس.
لولا استدعاء الخليفة الأموي لهم؛ لفتحوا فرنسا في وقت قصير، ولم تتوقف فتوحات المسلمين، ولا غزواتهم ناحية فرنسا, فغزاها الكثير من أمراء الأندلس مثل الحر بن عبد الرحمن الثقفي وتمكن من فتح مدن قرقشونة وأربونة وبيزيه.

فرنسا (مملكة الفرنج):
في ذلك التوقيت لم تكن فرنسا كاصطلاح جغرافي قد وجدت بعد ككتلة واحدة أو كوحدة سياسية, كذلك لم تكن قد تكونت بعد اللغة الفرنسية, في ذلك الوقت, وكانت الأراضي الممتدة وراء جبال ألبرتات (البرانس) تعرف وقتئذ بالأراضي الكبيرة أو بلاد الفرنجة أو بلاد الغال أو غاليا وكانت هذه الأراضي بعد زوال الحكم الروماني منها تنقسم إلى إمارات مستقلة يحكمها عدد من الأمراء.
في الجنوب نجد سبتمانيا بمدنها السبع الكبيرة, ثم أكيتانيا, وفي الشرق على نهر الرون نجد ولايتي بروفانس, وبرغونة (برجانديا) وفي الشمال على نهر اللوار نجد مملكة الفرنجة الميروفنجية التي تمتد شرقا حتى تشمل المانيا حاليا (1) .

الفتوحات في فرنسا:
وفي عهد السمح بن مالك الخولاني صاحب القنطرة الشهيرة بقرطبة, هدأت الفتن والمشاكل في الأندلس وتفرغ الجيش للجهاد والفتح فخرج السمح على رأس جيش كبير متوجها نحو فرنسا101هـ, واستطاع فتح مدينة سبتمانيا وعاصمتها في الجنوب الفرنسي مفتتحا كل ما يلقاه أمامه من مدن وحصون فافتتح مدن بيزيه وماجلون ثم افتتح قرقشونة وأربونة ثم أكمل السمح طريقه حتى وصل إلى طولوشة (تولوز).
ضرب السمح حصارا قويا على المدينة ومنع عنها الإمدادات حتى أوشكت على السقوط في أيدي المسلمين, لكن فجأة تحرك جيش ولاية أكوتين بقيادة الدوق أودو لمواجهة المسلمين, وعلى الرغم من قلة جيش السمح وتفوق جيش أودو العددي والحربي التحم الجيشان في معركة رهيبة تجاذب طرفاها النصر والهزيمة حتى قتل السمح بن مالك الخولاني يوم عرفة سنة 102هـ/ 721م فانسحب نائبه عبد الرحمن الغافقي وعاد إلى الأندلس بعد فك الحصار عن تولوز.
وخلف السمح بن مالك والٍ آخر هو عنبسة بن سحيم الكلبي 102هـ/107هـ , وقد استكمل حركة الفتح في تلك المنطقة فأتم فتح سبتمانيا بمدنها السبع الكبيرة, ثم اتجه شرقا حتى نهر الرون وفتح إقليم بروفانس في الجنوب ثم صعد مع النهر شمالا حتى بلغ مدينة ليون وافتتحها, ثم توغل في إقليم برغونة بروجانديا حتى بلغ مدينة أوتون في أعالي الرون لكن أهالي المنطقة قطعوا عليه خط الرجعة, وهاجموا الجيش وانتهى الأمر باستشهاده 107هـ.
في ذلك التوقيت عانت الأندلس من بعض المشاكل والقلاقل مما شغلت المسلمين لوقت من الزمن عن الفتوحات في أراضي فرنسا، فاستغل الفرنسيون تلك المشاكل والصعوبات وتطلعوا للأندلس.
شن الفرنسيون هجماتهم على الولايات الحدودية للأندلس، وقاموا بأعمال سلب ونهب، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل تعدى للعمل على إسقاط حكم المسلمين، واستغلال بعض حكام الولايات الحدودية واستمالتهم لجانبهم، والعمل على إثارة الفتن والقلاقل في الأندلس, في تلك الأثناء تولى إمارة الأندلس عبد الرحمن الغافقي112هـ القائد المغوار الشهير, وقد كان مقربا من الجند فأحبوه والتفوا حوله.

عبدالرحمن الغافقي:
يجمع المؤرخون على أنه من أعظم من تولى حكم الأندلس (2) إذ لم يضاهه أحد من القادة في القوة والحنكة والذكاء.
تولى قيادة الأندلس في وقت شدة واضطراب, فهدأت في عهده الفتن واستقرت أحوال العباد والبلاد, وقد وصفه المقري نقلا عن ابن بشكوال “أنه كان من التابعين الذين دخلوا الأندلس وكان يروي عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما” (3) .
كما وصفه شكيب أرسلان بقوله” بأنه من أبطال المسلمين المعدودين وأنه من أفذاذ الرجال, جمع الشهامة والإقدام والعدل في الأحكام والسهر على مصالح الأنام وبعد النظر في السياسة” (4) ..
وقد كان لعبد الرحمن موقف مشهود حين استطاع الانسحاب بالجيش من فرنسا بعد مقتل السمح بن مالك الخولاني في معركة تولوز, وجنب المسلمين هزيمة كانت على الأعتاب.
بعد عودة الجيش للأندلس، حدثت بعض المشكلات والاضطرابات، حتى تولى الغافقي، سنة 730مـ زمام الأمور، فأعاد الأندلس لسابق عهدها سريعًا؛ ناشرًا الأمن والأمان، ضابطًا الأمور الداخلية للبلد من تكوين جيش قويّ وتجهيزه بالسلاح والعتاد اللازم، وقام بقمع الفتن ورد المظالم.
بعد ما فعله الدوق أودو من مهاجمة جيش المسلمين في معركة تولوز، وتسببه في هزيمة الجيش، تخوف من انتقام المسلمين، فأراد أن يشغلهم بمشاكل الأندلس الداخلية، فعمد على خلق الفتن والقلاقل، واستطاع استمالة “منوسة”، حاكم إحدى الولايات الجنوبية، وأغراه بالخروج على الغافقي، عارضًا المساعدة بالمال والسلاح؛ فوافق “منوسة”. ثمّ قام أودو، وفي سبيل توطيد الحلف، بتزويج ابنته لامبجيا لمنوسة، الذي سارع بخلع بيعته للغافقي، متجهزًا لقتاله، إلا أن الغافقي لم يمهله طويلاً، فسرعان ما حاصرت جيوشه منوسة، وتم قتله وإنهاء فتنته، ثم توجه الغافقي عام 732مـ نحو ولاية أكوتين؛ لمعاقبة أودو، في جيش عظيم، قدّره بعض المؤرخين بـ100 ألف مقاتل، لم يسبق للمسلمين حشد عددٍ مثله في الأندلس.
عبر الغافقي جبال البرنيه (البرانس)، الواقعة بين فرنسا وأسبانيا؛ متوجهًا نحو بعض المدن الفرنسية، التي خلعت طاعة المسلمين، فأعادها مرة أخرى لحكم المسلمين، وألزمهم بالطاعة والولاء، ثم توجه الجيش نحو ولاية أكوتين (حاليًا مدن جويان وبيرجور وسانتونج وبواتو وفنده وجزء من أنجو).

معركة الجارون:
انقض الجيش الإسلامي على ولاية أكوتين، ومزقوا جيش أودو، وبسطوا نفوذهم على مدنها، وأصبح أودو يفر من مدينة لآخرى، والمسلمون من خلفه، حتى التقى الجيشان على ضفاف نهر الدردون (الجارون)، فهزم أودو شر هزيمة، وسقط ملكه، ونال عقابه على ما اقترفه، وسقطت أوكتين كلها بيد المسلمين، وهرب أودو بمن تبقى من رجاله بعيدًا عنها، لتصبح ولايةً إسلامية.
كان للمعركة صدًى عظيم ورهيب، حتى إن واحدًا من المؤرخين المعاصرين للمعركة “ازيدور الباجي”، وصفها بقوله: “الله وحده يعلم عدد من قتل في تلك المعركة (5) وبثت الرعب والهلع في قلوب باقي أمراء وولاة فرنسا، فانطلق الغافقي بجشيه فاتحًا نصف فرنسا الجنوبي، من شرقه لغربه في بضعة شهور، حتى إن المسلمين وصلوا لمدينة صانص، التي تبعد عن باريس 100 ميل فقط.

بلاط الشهداء:
أصابت معركة الجارون حكام باقي الإمارات بالفزع والرعب فسارعوا بالتحالف وحشد جيوشهم لمواجهة جيش الغافقي, فاجتمع أمراء الفرنجة تحت قيادة كارل مارتل (شارل مارتل). في تلك الأثناء استمر الجيش الإسلامي في التحرك حتى فتح مدينة بواتييه ومدينة تور, وهناك على ضفاف نهر اللوار فوجئ عبد الرحمن الغافقي بحشود رهيبة من السكسون والألمان والفرنجة, كان جيش عبد الرحمن قد تناقص خلال أشهر الفتح الماضية بأعداد كبيرة بسبب تركه لحمايات في المدن المفتوحة حديثا وبسبب المعارك العنيفة التي خاضها, وكانت هناك مشكلة كبيرة تؤرق عبد الرحمن الغافقي ألا وهي الغنائم الضخمة التي كان يحملها الجيش حتى إنه فكر في التخلص منه لولا خوفه من سخط الجند لكن برغم ذلك تجهز الغافقي لخوض المعركة الحاسمة.
وعلى مدى ثمانية أيام وقعت مناوشات بين الجيشين وفي اليوم التاسع التحم الجيشان في معركة رهيبة كانت الغلبة فيها للمسلمين على الفرنجة حتى لاحت في الأفق علامات الهزيمة وبدأ بعض الفرنجة في الهروب, لكن فجأة نفذت كتيبة منهم إلى معسكر غنائم المسلمين, فارتد بعض الفرسان لمواجهتهم فحدث الخلل في الجيش الإسلامي واختلت صفوفه, وأخذ الغافقي يحاول ضبط الصفوف مرة أخرى، لكنه سقط شهيدا مضرجا بدمائه, واستبسل المسلمون في القتال حتى فصل الليل بين الجيشين, واستغل المسلمين ستار الليل وانسحبوا بهدوء حاملين قتلاهم وجرحاهم, وفي الصباح وجد كارل مارتل معسكر المسلمين خاليا فلم يجرؤ على مطاردة الجيش واكتفى بذلك النصر المؤقت, ومنحته الكنيسة لقب مارتل أي المطرقة تكريما له على انتصاره في تلك المعركة.
كانت المعركة نقطة تحول في عمليات الفتوحات الإسلامية فهي وإن أوقفت الزحف الإسلامي داخل فرنسا، لكنها لم تستطع إزالة الوجود الإسلامي نهائيا من فرنسا, وقد علق جوستاف لوبون على تلك المعركة بقوله:
“ولم يلبث المسلمون، بعد أن أفاقوا من تلك الضربة التي أصابهم بها شارل مارتل، َأن أخذوا يستردون مراكزهم السابقة، وقد أقاموا بفرنسا قرنين بعد ذلك، وقد سَّلم حاكم َمرسيلية مقاطعة البروفنس إليهم في سنة ٧٣٧م، واستولوا على الآرل، ودخلوا مقاطعة سان ترويز في سنة ٨٨٩م، ودامت إقامتهم بمقاطعة البروفنس إلى نهاية القرن العاشر من الميلاد، وأَوغلوا في مقاطعة الفالة وسويسرة سنة 935م (6) ولم يستطع شارل مارتل أن يطرد العرب من أية مدينة احتلوها عسكريٍّا، واضطر شارل مارتل إلى التقهقر أمامهم تاركا لهم ما استولوا عليه من البلدان، والنتيجة المهمة الوحيدة التي أسفر عنها انتصاره هي أنه جعل العرب أقل جرأة على غزو شمال فرنسا، ولكن لنفرض جدلا أن النصارى عجزوا عن دحر العرب، وأن العرب وجدوا جو شمال فرنسة غير بارد ولا ماطر كجو إسپانية فطابت لهم الإقامة الدائمة به، فماذا كان يصيب أوربة؟ كان يصيب أوربة النصرانية المتبربرة مثل ما أصاب إسپانية من الحضارة الزاهرة تحت راية النبي العربي، وكان لا يحدث في أوربة التي تكون قد هذِّبَت ما حدث فيها من الكبائر كالحروب الدينية، وملحمة سان بارتلمي، ومظالم محاكم التفتيش ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع التي ضرجت أوربة بالدماء عدة قرون (7) ..
وقد أجمع المؤرخون أنه لولا تلك المعركة الفاصلة لتوسعت فتوحات المسلمين حتى تشمل أوروبا كلها ولأصبحت حينها تابعة للخلافة الإسلامية ، وقد علق إدوارد جيبون على تلك المعركة قائلا: ” وامتد خط الظفر مدى ألف ميل من صخرة طارق إلى ضفاف اللوار. وقد كان اقتحام مثل هذه المسافة يحمل العرب إلى حدود بولونيا وربى اسكتلندا. فليس الرَّين بأمنع من النيل أو الفرات، ولعل أسطولا عربيا كان يصل إلى مصب التيمز دون معركة بحرية، بل ربما كانت أحكام القرآن تدرس الآن في معاهد أكسفورد وربما كانت منابرها تؤيد لمحمد صدق الوحي والرسالة (8) ..
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


فتوحات المسلمين في فرنسا


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »


الانتقال السريع


الساعة الآن 11:26
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc