قديم 2016-09-04, 15:53
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية iyad05
iyad05
:: سوفت ماسي ::
افتراضي النقود في التاريخ الإسلامي

النقود في التاريخ الإسلامي



تعتبر عملية اختراع النقود عملية حضارية كبرى، ولقد اهتدى الإنسان إليها منذ العصور القديمة، شأنها في ذلك شأن اختراع أحرف الكتابة، أو استكشاف كيفية إشعال النار، أو ابتكار الزراعة.
لقد عاش الإنسان البدائي على جني الثمار والصيد بشكل جماعي، وكان زعيم القبيلة هو الذي يوزع المنتجات بين أفرادها، وكانت العشيرة تشكل وحدة اقتصادية معلقة، ومع تطور الإنتاج أصبح الاقتصاد المعلق غير كاف لمواجهة الحياة الإنسانية ومشقاتها المتعددة، فدخلت الجماعات المتفرقة في مبادلات فيما بينهما الآخر على شكل مقايضة (مبادلة سلع مع سلع مباشرة)، وكانت المقايضة وسيلة في بادئ الأمر في مجتمعات بسيطة، ولكن مع تطور المجتمعات ظهرت حاجات جديدة وتعددت السلع وزاد الإنتاج، فأضحى التعاون بموجب المقايضة عملية عسيرة على الإنسان، وما لبث الإنسان أن توصل إلى إيجاد وحدة معيارية تقاس بها قيم مختلف السلع والخدمات، ثم أصبحت هذه الوحدة وسيطا للمبادلة، يقبلها الأفراد عموما، في الوفاء بالالتزامات.
فالنقود إذن هي أي شيء يتمتع بقبول عام في الوفاء بالالتزامات، أيا كان نوعها وأيا كانت صفاتها.
وأصبحت النقود، فضلا عن ذلك، أداة لاختزان القوة الشرائية، وذلك كي تستخدم عند الحاجة في المستقبل. فما دام في إمكان الفرد مبادلة أي شيء بالنقود فإنه يمكن للمرء أن يكتنز النقود، وذلك لأهمية الوظائف التي تؤديها، باعتبارها وسيطا للتبادل، ومقياسا للقيمة، ومستودعا للقيمة ومعيارا للمدفوعات الآجلة.
وكانت النقود السلعية أقدم أنواع النقود، واحتلت المعادن النفيسة، مثل الذهب والفضة، مكان الصدارة بين المعادن النقدية، وتلتهما في المنزلة معادن أخرى، مثل الحديد والنحاس والزنك والقصدير.
يذكر أن التاريخ المبكر للنقود يعود إلى الابتكار الذي حدث في الصيف (آسيا الصغرى) والنقود التي سكها الليديون من خليط معدني من الذهب والفضة، وذلك في عهد ملكهم إرديس (652 - 625 ق.م).

النقود قبل الإسلام

لم يكن للعرب نقود خاصة بهم حين ظهر الإسلام، فقد كانوا يتعاملون بالدراهم الفضية الساسانية وبالدنانير البيزنطية الذهبية، ولاشك في أن تعاملهم بنقود الفرس والبيزنطيين يرجع إلى مجاورتهم للدولتين ومستعمراتهما، وإلى رحلاتهم التجارية العديدة.
ومع ذلك، فقد كانت هناك نقود عربية متداولة بين العرب في الجاهلية على نطاق محدود جدا، وكمثال على ذلك نقود اليمن الحميرية. وكذلك اقتبس الأنباط من الإغريق والروم ضرب النقود، وكان لدولة تدمر نقود على شكل نقود الإسكندرية الرومانية، وعليها كتابة ورسوم.
تجدر الإشارة إلى أنه قد اشتهر عند العرب الدينار الهرقلي، فكانت دنانير هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية، وكان ذهب الدينار الهرقلي من أجود أنواع الذهب، وكان شكله بديعا حسنا. كما استعمل العرب الدينار البيزنطي، إذ نقلوا اسمه من اليونانية فأطلقوا عليه اسم الدينار أو الدينر (من دون ألف)، وكان الدينار مثقالا من الذهب، أي 4265 من الغرامات، وهذا الوزن هو وزن «السوليدس»، أو الدينار البيزنطي الذي كان شائعا في بيزنطة قبل الإسلام، وكان وزن الدينار يقدر أيضا باثنتين وسبعين حبة شعير، أو ستة آلاف حبة خردل من الوسط. ويذكر المقريزي أنواعا مختلفة من الدراهم الفضية الساسانية التي شاعت عند العرب قبيل الإسلام، وكانت هذه الدراهم مختلفة الأوزان والأسماء، حيث هناك الدراهم السود الوافية والدراهم الجواز، وكانت لهم دراهم تسمى «جوراقية»، إضافة إلى الدراهم «الطبرية».

العملات والنقود في التاريخ الإسلامي

يطلق عليها لفظ «السكة»، الذي يعبر عن معان متعددة تدور كلها حول النقود التي تعاملت بها الشعوب العربية والإسلامية من دنانير ذهبية ودراهم فضية (سبق ذكرها) وفلوس نحاسية. ويقصد بلفظ «السكة» أحيانا تلك النقوش التي نزين بها هذه النقود على اختلاف أنواعها، وأحيانا أخرى يعني «قوالب السبك» التي يختم بها على العملة المتداولة، كما يطلق أيضا على الوظيفة التي تقوم على سك العملة تحت إشراف الدولة.
ويقدم العلامة العربي ابن خلدون تعريفا جامعا للسكة فيقول: «السكة، هي: الختم على الدنانير والدراهم للتعامل بها بين الناس بطابع حديد، ينقش فيها صور وكلمات مقلوبة، ويضرب بها على الدينار والدرهم، فتخرج رسوم تلك النقوش عليها ظاهرة مستقيمة، إذ يعتبر عيار النقد من ذلك الجنس في خلوصه بالسبك مرة بعد أخرى وبعد تقدير أشخاص الدرهم والدينار بوزن معين يصطلح عليه، فيكون التعامل بها عددا، وإذا لم تقدر أشخاصها يكون التعامل بها وزنا. والسكة تعد مظهرا من مظاهر سلطة الخليفة أو السلطان أو الحاكم، إلى جانب كونها وثائق رسمية لا يمكن الطعن فيها، أو مصدرا من مصادر التاريخ تساعد على استنتاج الحقائق التاريخية، سواء ما يتعلق منها بالأسماء أو العبارات الدينية المنقوشة عليها، إلى جانب كونها سجلا للألقاب والنعوت التي تلقي الضوء على كثير من الأحداث السياسية، التي تثبت أو تنفي تبعية الولاة أو السلاطين للخلافة أو للحكومات المركزية في التاريخ الإسلامي.
ولذلك، تعد النقود التي سكت في صدر الإسلام في دمشق وبغداد والقاهرة مستندات رسمية تؤكد على الوحدة السياسية والاقتصادية للعالم العربي».
ولابد من التأكيد - هنا - أن العقيدة الإسلامية قد أسهمت بقسط كبير وملموس في تطور صناعة السكة في العالم الإسلامي بفضل اهتمام الشريعة الإسلامية بالنقود، لكونها تدخل في ميدان العبادات، وتحدد المعاملات، وذلك لصلاتها المباشرة والوثيقة بالزكاة والصداق والعقود والوقف والعقوبات وغيرها.
ارتبطت السكة ارتباطا وثيقا بالفنون الإسلامية، حيث تساعد نقوشها في التعرف على الكتابات الأثرية المنقوشة، ودراسة دلالاتها السياسية والتاريخية والعقائدية، إلى جانب كونها مصدرا مهما للتعرف على أسماء البلاد والأماكن التي ضربت فيها.
كذلك تفيد دراسة السكة في إلقاء الضوء على حالة العالم الإسلامي الاقتصادية عبر العصور التاريخية.. من خلال التعرف على قيمة العيار في السكة، ومقدار وزنها في العصور الوسطى باسم «دار السكة» و«دار الضرب»، وهي على هيئة منشأة صناعية تتبع السلطان أو الحاكم، وتقوم بإصدار عملات نقدية ذهبية أو فضية أو نحاسية أو برونزية.

1- في عهد الرسول " صلى الله عليه وسلم"

جاء الإسلام وكان الدرهم الساساني والدينار البيزنطي شائعين في العهد النبوي المبارك، ويشير القرآن الكريم واصفا طوائف من أهل الكتاب، ويذكر الدينار قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (آل عمران:75).
هذا، ولقد كان الذهب والفضة خلال هذه الفترة النبوية المباركة، يمثلان ذروة التعامل النقدي، بل إن كفار قريش تحدوا الرسول بأن يأتي بمعجزة حسية تؤكد صدق رسالته، قال تعالى: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} (الزخرف:53).
وبعد رسوخ الإسلام حذر المسلمين من مغبة اكتناز معدني الذهب والفضة، وعدم إخراج زكاتهما {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة:34).
ونظرا لانشغال النبي " صلى الله عليه وسلم" وصحابته الأبرار بتوطيد أركان الدولة الإسلامية الناشئة، والقضاء على الشرك والكفر، أقر عليه الصلاة والسلام العملات النقدية المتداولة في عهده لتنظيم جباية الزكاة، على الرغم من أنها تحمل شعارات وصورا تتعارض مع روح الإسلام وتعاليمه، وظلت هذه النقود متداولة في معظم أرجاء الجزيرة العربية بشكل عام والحجاز بشكل خاص، حيث كان الدرهم الفضي الساساني متداولا في الحجاز، باعتباره معدنا نفيسا لا نقدا ثابتا. وكان منها (أي النقود المتداولة) الكبير والصغير والثقيل والخفيف.
والدرهم الساساني عبارة عن قطعة فضية مستديرة عليها صورة الحاكم الساساني داخل طوق من ثلاث دوائر، وأمام وجهه اسمه مكتوب باللغة الفهلوية (البهلوية)، وخارج الطوق توجد أربعة أهلة متفرقة على الجهات الأربع في وسطها نجوم سداسية، وفي خلف العملة صورة الموقد الناري للعقيدة المجوسية، وإلى جانبيه حارسا المعبد، أما الدينار البيزنطي فهو عبارة عن قطعة ذهبية مستديرة الشكل، على وجهها صورة الإمبراطور البيزنطي هرقل لوحده أو مع ولديه «هرقليوناس» و«قسطنطين»، ويحمل كل منهما صليبا ينتهي بصليب آخر، أما الوجه الآخر للعملة فيتمثل الصليب قائما على مدرجات أربعة بجانبها كتابات بالأحرف اللاتينية.
وهناك عملة ثالثة تحتل مكانة أقل من سابقتيها وهي: الفلس النحاسي البيزنطي، مطبوع على وجهه صورة للإمبراطور البيزنطي الحاكم، أما الوجه الآخر فقد حمل الحرف اللاتيني «m»، الذي يرمز إلى قيمة الفلس، ويساوي 40 نميا (30 غراما)، وقد أقره الرسول " صلى الله عليه وسلم" في التعامل.
لقد استعملت هذه العملات على نطاق لا بأس به في عهد الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، حيث فرض الإسلام الجزية على أهل الكتاب دينارا على كل بالغ، وجعل الإسلام الفضة والذهب من الأموال الباطنة، وزكاتهما ربع العشر. ونصاب الفضة مئتا درهم بوزن الإسلام، الذي وزن كل درهم منه ستة دوانق، وكل عشرة منها سبعة مثاقيل، وفيها إذا بلغت مئتي درهم خمسة دراهم هو ربع عشرها، ولا زكاة فيها إذا نقصت عن مئتين وفيما زاد عليها بحسابه.
وأما الذهب فنصابه عشرون مثقالا (أي دينارا) بمثاقيل الإسلام، ويجب فيه ربع عشره وهو نصف مثقال، وفيما زاد بحسابه، ويستوي فيه خالصه ومطبوعه، ولا تضم الفضة إلى الذهب، ويعتبر نصاب كل واحد منهما على انفراده.
وأصبحت لهذه العملات النقدية قوتها الشرائية، فقد اشترى الرسول " صلى الله عليه وسلم" حائطا لبني النجار مساحته 4200 م2 بنى عليه مسجدا بعشرة دنانير ذهبا، دفعها من مــال أبي بكر "رضي الله عنه" . واشترى عثمان "رضي الله عنه" في عهد الرسول أرضا زادها في المسجد بعشرين ألفا، أو بخمسة وعشرين ألف درهم، وقيل بعشرة آلاف درهم.
تجدر الإشارة إلى أن بعض الصحابة قد امتهن الصرافة، مثل: البراء بن عازب وزيد بن أرقم، رضي الله عنهما.
وقد ورث العرب بعضا من العادات السيئة في الجاهلية، فجاء الإسلام مبطلا لها، حيث كان من عادة التجار العرب أنهم يتعاملون بوزن النقود لا بعدّها، ذلك لأن بعض الناس كانوا يقتطعون جزءا من الدرهم أو الدينار، وقد عاب القرآن هذه الصفات الذميمة في قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ } (النمل:48)، أي قيامهم بتزييف الدراهم وغشها، وقال تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (هود:87).
هذا، ولقد روى المروزي بإسناده عن علقمة ابن عبدالله عن أبيه: «أن النبي " صلى الله عليه وسلم" نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس»، ولهذا يعتبر النبي " صلى الله عليه وسلم" صاحب أول إصلاح نقدي قام به العرب المسلمون في مجال القضاء على ظاهرتي الغش والتزوير حينما وضع لبنات الحضارة الإسلامية القائمة على العقيدة والأخلاق، وهذا مصداقا لقوله تعالى جل وعلا {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (الأنبياء:107).

2- في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

بعد وفاة النبي " صلى الله عليه وسلم" استمر الخلفاء الراشدون، رضي الله عنهم، على نهجه في التعامل بالمسكوكات النقدية الأجنبية، وذكر الإمام أبو الحسن الماوردي أن عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" وضع ماهية الدرهم الشرعي. وقد اهتم ابن خلدون في مقدمته بتحديد هذه النقود فقال: «اعلم أن الإجماع منعقد منذ صدر الإسلام وعهد الصحابة والتابعين أن الدرهم الشرعي هو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب، والأوقية منه أربعون درهما، وهو على هذا سبعة أعشار الدينار، ووزن المثقال من الذهب اثنتان وسبعون حبة من الشعير، فالدرهم الذي هو سبعة أعشاره خمسون حبة، وخمسا حبة وهذه المقادير كلها ثابتة بالإجماع».
وتذكر بعض المراجع الحديثة نقلا عن المقريزي (من علماء القرن التاسع الهجري) أن عمر "رضي الله عنه" ضرب الدرهم سنة 18 للهجرة على نفس الكسروية وأشكالها وأعيانها، ولم يحاول ضرب سكة جديدة، إلا أنه أضاف إليها نقش بعض العبارات الإسلامية مثل الحمد لله، ومحمد رسول الله، ولا إله إلا الله، ولله، أو بسم الله، أو بسم الله ربي.. وهذه النقوش الموجودة في بعض العملات الكسروية الساسانية مشكوك في نسبتها إلى الخليفة عمر "رضي الله عنه" لعدة أمور أهمها:
1- أن المصادر الفقهية والتاريخية المتقدمة لم تذكر ذلك البتة. فعن سعيد ابن المسيب أن أول من ضرب النقود المنقوشة عبدالملك بن مروان، وكانت الدنانير والدراهم كسروية.
2- أن هذه النقود المنقوشة في عهد عمر لم يصل إلينا منها شيء حتى نسلم بصحتها، بل إن هذه الدراهم المنسوبة إلى عمر مؤرخة بسنة 20، وبعضها موجود في المتحف العراقي، فإن تاريخ سكها في الحقيقة لا يعود إلى فترة الخليفة عمر "رضي الله عنه" (13-23هجرية)، وقد نتج هذا الالتباس بسبب عدم التمييز بين التواريخ التي كانت تضرب بها النقود آنذاك.
3- إذا افترضنا ضرب هذه النقود في عهد عمر "رضي الله عنه" فأين المكان الذي سكت فيه؟!
4- أن المتأمل في شخصية عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" كأحد العشرة المبشرين بالجنة، والمعروف بإيمانه القوي، وغيرته الشديدة على الإسلام، لن يقبل بوضع شعارات الإسلام الخالدة على هذه العملات الوثنية والمجوسية بما فيها من صور وطقوس تتنافى مع تحريم الإسلام لهذه الصور، قال عليه الصلاة والسلام: «من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ». ويمكن الإشارة هنا إلى شخصية عمر بقول المصطفى " صلى الله عليه وسلم" فيه: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك». (صحيح البخاري).
وهكذا نرى أن هذه المسكوكات المنسوبة إلى عهد عمر "رضي الله عنه" ليست على الوجه الصحيح في نسبتها لعدم وجود الأدلة الكافية والبراهين الدامغة.

3- في العهدين الأموي والعباسي

أمر عبدالملك بن مروان الحجاج بن يوسف بنشر الدراهم الجديدة في القسم الشرقي من الدولة الإسلامية، وبمنع تداول الدراهم السابقة، وبإقناع الناس بجلب الدراهم القديمة إلى دار الضرب لطبعها من جديد، وسار الخلفاء الأمويون بعد عبدالملك بن مروان على سياسته في ضرب النقود، فكان الخلفاء يتشددون في عيار الدينار الذهب، وكان الذهب خالصا بقدر ما كانت تساعدهم طرق التصفية.
وقيس عيار دينار للرشيد وآخر للمطيع فكان عيارهما 97.9 في المئة، أي 23.5 من القراريط (حبة)، باعتبار أن الذهب الخالص 24 قيراطا (حبة).
كذلك تشدد الخلفاء بعد عبدالملك في صحة الوزن وتخليص الفضة، فضرب عمر بن هبيرة (والي العراق) للخليفة الأموي يزيد بن عبدالملك، دراهم أجود من دراهم الحجاج على عيار ستة دوانق، ولما ولى الخليفة هشام بن عبدالملك خالد بن عبدالله القسري العراق اشتد في النقود أكثر من ابن هبيرة. وذهب خلفه في ولاية العراق يوسف بن عمر، وكان أبعد منه في تخليصها والدقة في العيار، فكانت الدراهم «الهيبرية» و«الخالدية» و«اليوسفية» أجود نقوش بني أمية.
ولم يكن الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور يقبل في الخراج من نقود بني أمية غيرها، ولهذا سميت الدراهم الأولى «المكرهة». وفي العصر العباسي كان الخلفاء يضربون الدراهم والدنانير، وكانوا ينفقون أحيانا وزن الدراهم، فضرب أبوالعباس السفاح الدراهم بالأنبار ونقصها حبة واحدة، ثم نقصها حبتين. وفي خلافة المنصور أصبح النقص ثلاث حبات، ولم يصبح للدراهم وزن ثابت، مما جعل الناس يتعاملون بها بالوزن. ولما قتل جعفر البرمكي فوض هارون الرشيد أمر دار الضرب إلى السندي بن شاهك، فاعتنى بتخليص الذهب والفضة في النقد، وضرب الدرهم على العيار الصحيح، لكن الأمر لم يثبت على حال بعد ذلك.
أما وزن الدينار العباسي فكان بوزن الدينار الأموي وهو 4265 من الغرامات، أي 66 حبة، وهذا هو الوزن الشرعي للدينار أو المثقال. واستمرت كلمة دينار تنقش على جميع النقود الذهبية للدولة العباسية والدول التي نشأت في عهدها وانفصلت عنها، وكان هارون الرشيد أول خليفة يذكر اسمه على الدينار، وضرب العباسيون من الدنانير ما كان أكثر من المثقال إلى أربعة مثاقيل، وذلك للتعامل بها، وضربوا عدا عن هذا أنواعا من الدنانير الكبيرة الحجم والوزن، وذلك لكنزها أو للصلة والإهداء في مناسبات معينة، كالأعياد والأفراح، أو للتصدق بها، وأطلقوا عليها اسم دنانير الصلة، وذلك لكي يصلوا بها أحباءهم وندماءهم والفقراء.
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


النقود في التاريخ الإسلامي


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »


الانتقال السريع


الساعة الآن 04:18
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc