إننا نعيش واحدة من أكبر عمليات التيه في تاريخنا المعاصر، ونحن نراقب ما يجري في مصر، وما يجري حولها، إذ لا علاقة بين الجبهتين بطريقة الترابط الواعي، إنما بطريقة الدفع الخارجي المقيت.. في مصر يتنازع المصريون حول الحكم والمواقع ويندفع ملايين المصريين إلى ساحات الاحتشاد يعطّلون أيام العمل ويعرقلون السير والإنتاج، ويشكلون ضغطا نفسيا على الشعب ويلوحون بتهديد خطير قد يذهب بكل شيء..
وفي خارج مصر خناجر من كل مكان وقنابل موقوتة قابلة للانفجار أمام دور مصر وأمنها القومي.. وهنا من جديد نكتشف كم هي خطيرة عملية الانزلاق نحو الملفات الداخلية التي تحتمل الاجتهاد والاجتهاد المضاد، والتي وصلت بها الحال إلى انقسام حاد داخل الشعب، فماذا يعني أن يصبح المطالبون برحيل النظام 20 مليونا والمؤيدون له 25 مليونا.. إننا نشهد واحدة لم تسبق في تاريخنا الإسلامي إلا تلك التي دارت حول صفّين عندما انشقت الأمة إلى نصفين.. ولم تكن من نتيجة إلا دمار النظام السياسي الشرعي ممثلا في خلافة الإمام علي ــ كرّم الله وجهه ــ وبروز نظام ديكتاتوري وراثي استحواذي مغتصب للحكم ممثلا في الحكم الأموي.. وهنا نعيد عقارب الساعة من جديد.. ماذا يريد المصريون من هذه الفوضى؟ وعن ماذا يجب أن يدافعوا؟
هناك ملفات حاسمة أمام المجتمع والدولة المصرية يجب أن يتم ترتيبها حسب الأولويات، وفي هذا تقع المسئولية على نظام الحكم الذي ينبغي أن لا يظل مراوحا في مكانه كما يفعل اليوم.. يجب أن ينخرط المصريون في الدفاع عن أرضهم سيناء، ويفرضوا عليها السيادة المصرية ويتصدوا في ذلك للسياسة الإسرائيلية، وهذه معركة عليها إجماع وطني كما هو الاجماع حاصل حول كل الملفات الخارجية، مثل ملف النيل والملف الليبي والملف السوداني والملف الفلسطيني.. فهل يعقل أن لا تتجند مصر كلها بخصوص ملف كملف الني وقضيته الحيوية وكيفية تطوير الاستثمار المبني عليه، وهل يعقل أن تغفل مصر عن قضية تدفق السلاح الليبي وانتشار مجموعات القتل والعصابات المسلحة في ليبيا، واحتمال توغلها في المجتمع المصري، هل يعقل أن تغفل مصر عن تقسيم السودان وما يترتب عنه من توغل للموساد وتحركاته الأمنية الضارة في القرن الإفريقي وفي مصر؟ هل يعقل أن لا يفتح المصريون ملف الأمن القومي بما له من علاقة دفاع مشترك يتم تفعيله بين الدول العربية لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة؟
هذه ملفات الاجماع المصري التي لابد من اعلاء درجة الاهتمام بها، وجعل المادة الاعلامية تنصبّ عليها من خلال تفاعل حيوي من قبل السياسيين المصريين. وإن عملية استبدال الاهتمام عملية تدفع بقوة البأس إلى مفاصل المجتمع تفسخه وتضرب في عمقه..
بلاشك أن العمى الحزبي والتعصب المقيت والمواقف الاقصائية لن تفيد إحدا، ولن تنفي أحدا وعلى الكل المصري أن يدرك أن التنوّع موجود ولن يزول، وهو أحد ثوابت المجتمع المصري والحياة المصرية كما هو النيل وسمرة أهلها.
إنها الملفات الحاسمة فهل ينتبه الحكم إلى ضرورة وجود الشيطان كي نرجمه ونعلّق عليه اخفاقاتنا، هل يدرك المسئولون أهمية وجود عدو خارجي لكي يتوحد المجتمع؟؟
2013-07-03, 18:30
رد: الملفات الساخنة في القضية المصرية - صالح عوض -
