قديم 2011-10-17, 07:21
رقم المشاركة : 6  
jalal77
:: صديق المنتدى ::
افتراضي رد: معجزات الأنبياء
سليمان
معجزات عن
الجن والنملة والعرش
قال تعالى: {ولسليمان الرياح غدوّها شهر ورواحها شهر وأرسلنا له عين القطر, ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه, ومن يزغ نتهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير} سبأ 12.

1. الجن

خرج سليمان عليه السلام كعادته الى بيت المقدس, وكانت العاصفة شديدة, وبقي هناك في محرابه, يعبد الله حتى انتصف الليل, فلما همّ للعودة, تجلى له نور الله عز وجل, وشعر كأن روحه تهيم في تلك الأشعة النورانية, فانطلق لسانه وتحرّكت شفتاه فقال:{ وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي انك أنت الوهاب} ص 35.

شعر سليمان عليه السلام كأنه في حلم لم يستيقظ منه الا في الصباح فعاد الى قصره وجلس على عرشه يفكر فيما رآه من محرابه, وفيما دعا به ربه. فسمع هاتفا يهتف به ويقول له: لقد استجاب الله دعاءك, وسخر لك في ملكه ما لم يسخره لغيرك.

سخر الله سبحانه عز وجل الرياح لسليمان تجري بأمره حيث يشاء فتسقط الأمطار, وتسوق السفن.

وسخر له الجن والشياطين, يعملون له ما يريد من بناء المساكن والقصور, واصلاح الأرض للزراعة, وحفر الآبار لريّها.

وأخضع الله سبحانه وتعالى لسليمان الطير والحيوان, فكان هؤلاء وهؤلاء من رعاياه المخلصين.

وكان سليمان عليه السلام عبدا شكورا, يحمد الله وكان من عباد الله المخلصين. فقال عليه السلام:

رب, بما أنعمت عليّ وعلى والديّ, سأهب نفسي لطاعتك والجهاد في سبيلك, فوفقني الى طريقك المستقيم.

سأحارب الفقر الذي يذل عبادك المخلصين.
سأعلن الحرب على الظلم الذي قتن عبيدك الأولين.
سأجاهد ما حييت المشركين بك, الخارجين عن طاعتك.

عند ذلك سمع الكلائكة تقول آمين. فسجد لله القوي العزيز.

وحرص سليمان عليه السلام أن لا يفتنه الشيطان بالملك الواسع الذي وهبه الله له والقوى الخارقة التي لم يهبها الله لأحد من قبله ولا لأحد من بعده.

سخر سليمان عليه السلام كل هذه النعم التي أنعم الله بها عليه للاصلاح والتعمير, فخرجت السفن تدفعها ريح سليمان, وعادت تحمل المتاجر من البلاد النائية والجزية من ملوك الأرض والأقطار الواسعة, وقامت شياطين الجن بحفر الآبار وبنائها في الصحراء, واصلاح الأراضي المحيطة بها, وقطع الأحجار من الجبال, وبناء المدن والأمصار بشوارعها الممهدة, وميادينها الفسيحة, وجعلت في وسط كل ميدان قدرا كبيرا من الحجر المنحوت, يشبه وعاء الطعام, ولكنه عظيم الاتساع, وتأتي السحب بعد ذلك فتملؤه بمياه الأمطار, فاذا هي كبيرة عظيمة التساع, تكسب الميادين بهجة وجمالا فاذا أخذت المدينة زخرفها وازينت أقبل الناس على سكناها وبذر البذور في الوادي المحيط بها, وريّها بمياه الأمطار والآبار فتخضرّ الأرض, ويعم الخير, ويعيش الناس في رخاء يعبدون الله الواهب الرزاق.

وكثرت عمارة المدن, وزراعة الصحارى, وعاش بنو اسرائيل في نعيم ما رأوا ميله في غابر الأيام والأزمان.

وكان قصر سليمان قصرا رائعا, بل يعدّ من أروع ما تمّ تشييده في هذا الوقت, فأحجاره من الرخام المرمر, وجدرانه وسقفه مموّهة بالذهب الخالص, وبالقرب من مساكن الجند وحظائر الخيل, وتحت القصر خزائن الملك في جوف الأرض, يهبطون اليها في سراديب ممتدّة بين قاعاتها, وفي نهايتها أبواب ضخمة, وقف على كل منها ماردان من عفاريت الجان.

ومن المعجزات التي أنعم الله بها على سليمان, أن الشياطين كانت تخرج كل يوم الى الجبال: بعضهم ينبشونها ويستخرجون دفائنها من الذهب والماس, وآخرون يغوصون في البحار يصيدون حبّات اللؤلؤ الثمينة, ويعود هؤلاء وهؤلاء في المساء, فيضعون ما جمعوا في خزائن سليمان, ثم يغلقون أبواب الخزائن كلها, ويخرجون من سراديبها الى بهو القصر العظيم, فتغلق البوابة الكبرى, ويقف لحراستها ماردان من أشراف الجان, لا تغمض لهما عين.

كانوا يخرجون في كل يوم ويعودون, حتى امتلأت جزائن الأرض بالمعادن النفيسة, والأحجار الكريمة التي لا يجرؤ على الدنو منها والاقتراب منها انس ولا جان.

وكان سليمان عليه السلام يعاقب من يخالفه من الشياطين عقابا صارما, فيحبسه في قارورة من زجاج فلا يستطيع الفرار منها طول حياته, وفي يوم جيء له بأحد الشياطين مقيدا بالأغلال, فلما سأل عن ذنبه قيل له: انه قد أضاع لؤلؤة كبيرة خرج بها من البحر, ولم يودعخا خزائن الملك.

قال سليمان: أين خبأتها أيها العفريت؟

قال الشيطان: لقد غصت مع الغائصين, وخرجت بلؤلؤة في حجم رأس الانسان, ما رأى أحد مثلها في جمالها, وروعة بريقها, وظننت أنني بهذه اللؤلؤة سأحظى برضاك عني طول حياتي, ولكنني عند العودة فوجئت بمارد جبّار قد انقض علي من السماء, وخطفها مني ثم انطلق في الجو نحو الجنوب, واختفى بين طيّات السحاب, فما استطعت اللحاق به.

قال سليمان: اذا كان حقا ما تقول فاني سأعرض الجن عليك لتخرجه من بينهم.

قال الشيطان: لو كان هذا الجني من مملكتك لما استطاع أن يفرّ مني, ولكنه جنيّ من نوع آخرةيعيش في مملكة أخرى.

عندئذ أمر سليمان عليه السلام بسجنه حتى يرى مبلغ صدقه, ودعا وزيره "آصف" وكان وزيرا حكيما, وعالما, فرآى الوزير أن الجني صادق فيما يقوله, فقال لسليمان: يا نبي الله؛ ان الشياطين لا تهتم بجمع اللآلىء بنفسها, ولا بد أنها مسخرة لملك من الانس, ولقد ساق الله اليك هذا الحادث ليذكرك بما أخذته على نفسك وهو الجهاد في سبيل الله بما وهب لك من القرى, فشغلك جمع النفائس عن الوفاء بوعدك, وأرى أن تجدّ في البحث وراء هذا المارد حتى تهتدي الى الملك الذي أرسله وربما وجدته من المجوس الذين يتخذون لهم أربابا من دون الله عز وجل.

أمر سليمان باطلاق سراح الجني الذي صاد اللؤلؤة, ومكث بعد ذلك ساعة مطرقا يفكر في كلام وزيره, ثم ذهب الى محرابه في بيت المقدس حتى منتصف الليل, وفي الصباح أمر أن يتهيأ الجيش للزحف نحو الجنوب.

2. حديث النملة

خرج سليمان يوما على صهوة جواد أشهب وعن يمينه فرسان الانس على خيول حمر, وعن يساره فرسان الجن على خيول سود, وخلفه المشاة الذين لا يحصى عددهم من الانس ومردة الجن, وانتشرت الطيور جماعات في السماء, تحجب أشعة الشمس المحرقة عن هذا الجيش العظيم الذي لم ير الناس مثله.

تحرّك الجيش الى الجنوب وظل أيام يضرب في مجاهل الصحراء حتى أشرف على وادي النمل فقالت نملة:

{ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} النمل 18.

سمع سليمان عليه السلام قولها, وفهم حديثها, فتبسّم ضاحكا من قولها وقال:

{ ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه}. النمل 19.

أحسّ سليمان بالمعجزة التي أنعم الله بها عليه وهي أنه يسمع قول نملة في باطن الأرض لا ترى بالعين المجرّدة ويفهم لغتها, ذلك أمر لا يؤتى لأحد غير سليمان عليه السلام وبمشيئة الله وقدرته عز وجل.

أمر سليمان عليه السلام فضربت الخيام, واستراح الجيش أمام وادي النمل يوما وليلة, ولمّا تهيأ الجيش بعد ذلك للرحيل, جمع فتات الطعام, فاتخذ النمل طريقه اليه ينقله الى بيوته, وتحوّل جيش سليمان عليه السلام الى طريق آخر في الصحراء, فظلوا سائرين فيها ليالي وأيّاما, ولم يصادفوا واحة ينزلون بها, أو عينا يشربون منها حتى نفذ ما كان معهم من الماء, وأقبل السقاؤون على سليمان يخبرونه حقيقة الأمر.

واستخدم سليمان عليه السلام ما أتاه الله من فضل, بل نقول أنه استخدم المعجزة التي حباه الله اياها وهي تسخير الجن له فأصدر سليمان أمره الى شياطين الجن بحفر الآبار واخراج الماء من باطن الأرض, فحفروا ولكنهم لم يجدوا ماء فأعادوا الحفر في أكثر من جهة, فما خرج الماء في واحدة منها, وعادوا الى سليمان بخيبة الأمل.

قيل لسليمان عليه السلام: ان الهدهد وحده هو الذي يعرف بفطرته أماكن الماء في طبقات الأرض, وهو الذي يستطيع أن يخبرنا عن ماء قريب من السطح.

قال سليمان لحاجبه: عليّ بالهدهد.

خرج الحاجب وعاد ليقول: ان الهدهد ليس موجودا يا مولاي.

غضب سليمان عليه السلام, وخرج يتفقد الطير, فوجد مكان الهدهد خاليا فقال:

{ ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} النمل 20.

قال الغراب: لقد رأيته ينطلق نحو الجنوب في صحبة هدهد آخر من طيور هذه الأرض.

قال سليمان: لأعذبنه عذابا شديدا, أو لأذبحنّه, أو ليأتيني بدليل قوي يبرر به سبب عصيانه أمر ومخالفته تعليماتي.

فقال "آصف" وزير سليمان عليه السلام: ان هذه أول مخالفة تصدر من طير ضعيف, كان مثالا للطاعة والولاء, ولا بد أن في الأمر سرّا.

قال سليمان: أي سر يختفي وراء غياب الهدهد؟!.

قال آصف: أخشى أن قد اقتربنا من وادي الجان, واستعملت أبالستهم السحر والخداع فأضلتنا عن مكان الماء وأسرت الهدهد حتى لا يكتشف لنا ينابيعه.

وقد أخبرني أحد الشياطين أنه سمع في جوف الجبل عزيف الجن, وحاول أن يتفقد أثرهم فما عرف طريقهم, ولا مكانهم, وأبدى خوفه من أن نكون قد وقعنا في أسر مارد جبار من شياطين الجن.

تبسّم سليمان عليه السلام لهذا الخبر العجيب, وقال: الحمد لله الذي هدانا اليهم, وان النصر لقريب.

كان أمر الماء يشغل سليمان, لأن جنوده يشعرون بالعطش وفي هذا الأمر خطر على حياتهم, فخرج عليه السلام من خيمته وأمر الريح العاصف بحمل السحب الماطرة اليه. فهبت الرياح من الشمال والجنوب, وساقت أمها السحب ونزل المطر غزيرا من السماء, فملئت القدور والقرب والمواعين وشرب الجيش ماء عذبا, وحمدوا الله جميعا على رحمته, وجليل نعمته, وهذه معجزة من معجزات نبي الله سليمان عليه السلام.

نعود الى الهدهد الذي ترك مكانه بين الطيور, بدون اذن من سليمان عليه السلام فانه نظر الى مواعين الماء فوجدها فارغة, فخاف أن يكوت جيش سيده من العطش, فترك مكانه وأسرع الى الأمام يجدّ في البحث عن الماء, فوج طبقات الأرض كلها صخور صمّاء, ليس بها عين من عيون الماء, وصادفه في طريقه هدهد آخر مقبل من الجنوب, فتعارفا وتطوّع هدهد الجنوب, وأرشده الى ينبوع عظيم.

انطلق الهدهدان حتى أتيا واديا خصيبا, ثم وقفا يستريحان على شجرة في بستان كبير مملوء بالأشجار والورود والأزاهير وفي وسطه بحيرة واسعة, يخرج الماء اليها من عيون الأرض. فينساب في الجداول بين نبات الأرض وأشجارها.

فرح هدهد سليمان, واستأذن صديقه هدهد الجنوب أن يعود الى سيّده ليخبره بما رأى, ولكن هدهد الجنوب استوقفه وقال له: أنت لم تر الا شيئا صغيرا, فتعال معي لتشاهد عزا وملكا كبيرا خلف هذا الوادي, حتى اذا عدت الى سيّدك أخبرته بكل ما رأيت, فيكون لخبرك أثر عظيم في نفسه.

قال هدهد سليمان: وماذا تريني بعد؟

قال هدهد الجنوب: انطلق معي لتشاهد بعينيك.

طار الهدهدان وتخطيا جبلا عاليا, ثم هبطا على واد أخضر به زرع نضير, وقصور فخمة, ثم اتجها نحو قصر بديع فوق ربوة عالية, فدهش هدهد الشمال بما رأى من مناظر العز والجاه, ومظاهر الملك والسلطان, فقال لصاحبه: عجبا ما رأيت مثل هذا الا في ملك سليمان في الشمال.

قال هدهد الجنوب: وما ملك سليمان هذه بجانب ملك "بلقيس" في الجنوب, اهبط معي من هذه الفتحة لتشاهد هذه المملكة الرائعة وقومها وهم يعبدون الشمس.

هبط الهدهدان, ورأى هدهد سليمان القوم يسجدون للشمس من دون الله, فراغه ذلك, ثم ذهب به هدهد الجنوب الى قصر "بلقيس" وأراه عرشها العظيم, ثم قال له: انظر الى هذه اللؤلؤة الكبيرة, هل عند سيّدك مثلها؟

قال هدهد سليمان: كيف وصلت اليها هذه اللؤلؤة؟

قال هدهد الجنوب: جاء بها عفريت من الجن منذ شهر.

قال هدهد سليمان: اذن هذه لؤلؤة سليمان التي خطفها عفريتكم من يد الجني الذي صادها والويل لكم من سليمان.

قال هده الجنوب: ليس الأمر كما تظن ف "بلقيس" تملك الجن كما تملك الانس, وأخشى على ملكك أن يغترّ بقوته, ويقدم على محاربتها, فيذوق ذل الأسر والهوان على يد جنودها.

ورغم أن هدهد الجنوب بالغ في القول على علاقة الجن ببلقيس لأن هذا الأمر لم يعطى الا لسليمان عليه السلام, فقد سمع هدهد سليمان كل هذا, ورأى ما رأى, ثم عاد مسرعا الى سليمان, فوجد سحبا كثيرة تسقط الأمطار والقوم يشربون.

وصل الهدهد, هدهد سليمان, الى مقرّه, وتقدّم في ذلة وخضوع الى الملك سليمان فوجده ساخطا عليه, وخاف على نفسه سوء العاقبة.

قال سليمان: أين كنت أيها الهدهد؟ وما سلب مخالفتك أمري؛ وتركك مكانك بدون اذني؟!

قصّ الهدهد على سليمان قصته كلها.

ابتسم سليمان وقال: { سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين* اذهب بكتابي هذا فألقه اليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون} النمل 27-28.

حمل الهدهد رسالة سليمان الى بلقيس وطار بها الى قصرها فوجدها جالسة على عرشها, وأمامها حاشيتها ووزراؤها فأسقط الخطاب في حجرها واختفى وراء ستار النافذة.

كانت بلقيس قد عقدت مجلس الشورى للنظر في الأخبار التي جاء بها الجن عن سليمان وجيوشه, فلما وقعت الرسالة في حجرها عجبت لذلك, ثم قرأتها على الحاضرين, جاء في الرسالة:{ انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلو عليّ وأتوني مسلمين} النمل 30-31.

فقالت لهم بلقيس:{ أفتوني في أمري}.

قالوا:{ نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر اليك فانظري ماذا تأمرين}.

قالت بلقيس:{ ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} ولقد سمعت بسليمان من قبل, ولا أرغب في حرب أخشى منها الهوان لقومي.

واني مرسلة الى سليمان بهدية, فان كان من طلاب الدنيا قنع بها ورجع عنها, وان رفضها فهو صاحب مبدأ, لا ينثني عنه, وعند ذلك نذهب اليه مسلمين قبل أن يأخذنا أسرى مقيّدين.

ذهب رسول بلقيس الى سليمان وقدّم بين يديه صندوقا مملوءا بالذهب والأحجار الكريمة.

قال سليمان: من أين هذا؟

قال: هدية من ملكتنا "بلقيس" الى الملك سليمان.

قال سليمان: { أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم با أنتم بهديتكم تفرحون} النمل 36.

{ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجهم منها أذلة وهم صاغرون} النمل 37.

عاد الرسول الى بلقيس, وأخبرها بما سمع, فأمرت قومها أن يحملوا راية بيضاء, وخرجت بهم الى سليمان عليه السلام في موكب عظيم, ولكن سليمان سيستبق وصول هذا الموكب بمعجزة تدهش لها بلقيس, ترى ما هذه المعجزة, وماذا ستكون؟

3. العرش ومعجزة الاتيان به

علم الهدهد من خلال طيرانه ورحلاته أن بلقيس خرجت, فعاد الى سليمان وأخبره بخروجها, فأمر الجن أن يعدوا لها بنيانا تنزل فيه, فبنوا صرحا من قوارير خضر, وجعلوا له طوابق من قوارير بيض, فصار كأنه الماء, وجعلوا تحت الطوابق صور دواب البحر من السمك وغيره, فأصبح الذي ينظر الى أرضه الزجاجية يظن أنها بحيرة بمائه وأسماكها.

ولما ظهر ركب " بلقيس" في الأفق البعيد, جمع سليمان أهل الرأي من الانس والجان, وقال لهم: { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.

فوقف عفريت من الجن وقال:{ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي قبل أن تنتهي من مجلسك.

قال سليمان:{ سوف لا ينتهي مجلسي قبل حضورها.

قال وزيره "آصف" وكان رجلا عنده علم من الله سبحانه وتعالى:{ أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك}.


رفع سليمان عليه السلام نظره الى السماء, وسجد "آصف" ودعا ربه سبحانه وتعالى, فاذا العرش أمامهم, فلما نظر سليمان الى الأرض, ورأى العرش سرّ سرورا كثيرا, وأمر بوضعه أمامه مقلوبا.

أقبلت "بلقيس" فرأت عرشها مقلوبا أمام سليمان, وعجبت كثيرا لأنها تركته بقصرها في حراسة شديدة, ثم نظرت الى قومها فوجدتهم جميعا في ذهول.

قال سليمان: أهكذا عرشك؟

قالت: كأنه هو, ولقد أتيتك بقومي مسلمين.

قال سليمان: الآن أنت وقومك, في أمان, وستظلين مليكة قومك تصرّفين أمورهم, وتحكمينهم بما أمر الله.

طلبت "بلقيس" السماح لها بالعودة الى قومها لتبشرهم بالدين الجديد, فعرض عليها سليمان أن تستريح من عناء السفر قبل العودة فقبلت دعوته, وخرجت لتغير ملابسها في خيمتها, وذهب سليمان الى الصرح فجلس على كرسي وانتظر قدومها.

أقبلت "بلقيس" في زينتها الى مدخل الصرح, ووجدت سليمان في نهاية البهو يرحب بمقدمها, فلما نظرت الى أرضه حسبتها حوضا مملوءا بالماء, وشيت أن تبتل ملابسها, فكشفت عن ساقيها لتخوض الماء.

قال سليمان: {انه صرح ممرّد} من قوارير زجاجية.

فخجلت من جهلها, وأقرّت لسليمان بالنبوّة, ولربه بالعظمة والقوّة,وقالت في حماسة ويقين:

ربّ, اني ظلمت نفسي بعبادة الشمس, وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.

ورجعت الى قومها مؤمنة, وصارت ترسل الجزية في كل عام الى سليمان.

4. معجزة عند الموت

قضى سليمان سنواته الباقية من حياته يقود رعيته بالعدل, ويتقرّب الى ربه بالعبادة, وقد اختار لعبادته مكانا ببيت المقدس,لا يجرؤ أحد على الدنو منه ما دام هو قائم يصلي في المحراب.

فلما علم أ،ه حان حينه, وانتهى أجله, توكأ على عصاه, وخرج الى المسجد الأقصى, فدخل المحراب, واتجه الى الله مرتكزا على عصاه, فقبضه ملك الموت, وظل جثمانه واقفا تسنده العصا أياما, والناس والجن لا يدرون بموته, ولا يجرؤون على الاقتراب منه في محرابه, حتى تآكلت العصا, لقد أكلتها حشرة الأرض, فانكسرت العصا, ووقع الجثمان على الأرض فشاع الخبر, وشيّعته بنو اسرائيل الى مثواه, وعادوا من قبره يرددون: سبحانك اللهم! تؤتي الملك من تشاء, وتنزع الملك ممك تشاء.

هكذا كانت معجزات سليمان عليه السلام فهو يكلم النمل والطير والحيوان, ويسخر الرياح والجن بأمر ربه, وعندما يموت يموت هكذا, انها معجزات عظيمة وملك لم يؤت لأحد من بعد سليمان عليه السلام.

[SIGPIC][/SIGPIC]
قديم 2011-10-17, 07:24
رقم المشاركة : 7  
jalal77
:: صديق المنتدى ::
افتراضي رد: معجزات الأنبياء
يوسف
الطيور المخيفة
قال تعالى:{ ودخل معه السجن فتيان, قال أحدهما اني أراني أعصر خمرا, وقال الآخر اني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه, نبئنا بتأويله, انا نراك من المحسنين}

1. في البدء كلمة

الأنبياء عباد الله, خصّهم ربّهم بمكانة عظيمة, ومنزلة رفيعة, فزيّن لهم فعل الخيرات, لأنهم كانوا من عباده المخلصين, وجعل الله لكل نبي معجزة أو معجزات لا تكون لبشر غيرهم, ومنهم يوسف عليه السلام الذي أصابه اضطهاد اخوانه وأشقائه فحاولوا التخلص منه, ولمن الله كان له خير حافظ والله أرحم الراحمين.

وقد اختص الله عز وجل يوسف بالرؤيا الصادقة التي تحدثت عن أحداث كثيرة قبل وقوعها, فكانت رؤياه وحلمه وهو نائم معجزة,وكان تفسيره للأحلام معجزة كبيرة تدل على ما اختصه ربه به من معجزات عظيمة ما زلنا نسمعها وتصيبنا بالدهشة فنسبح بحمد الله القادر على كل شيء لأنه سبحانه عز وجل ليس كمثله شيء.

2. يوسف في السجن

منذ أن خرج يوسف من البئر ومضى مع بعض الناس الذين باعوه لوزير من وزراء مصر اسمه العزيزو منذ هذا اليوم ويوسف يعيش عيشة هانئة راضية يحبه أهل هذا البيت, فهو في دار العزيز أحد وجهاء مصر وامرأته "زليخة" بنت أخت الملك الريان بن الوليد ملك مصر.

نشأ يوسف نشأة عظيمة وأصبح شابا جميلا, بديع الجمال والبهاء مما جعل النساء ينظرن الى جماله وبهائه, وكان ممن نظر اليه زليخة امرأة العزيز, وحاولت أن تجعله خائنا لسيّده العزيز ولكن يوسف نبي من سلالة الأنبياء, عصمه ربه وحماه من الفاحشة, ومن مكر النساء, فهو سيّد النجباء, والسبعة الأتقياء الذين قال عنهم الرسول محمد خاتم الأنبياء:

"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الاه ظله:
امام عادل
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عينينه
ورجل قلبه معلق بالمساجد اذا خرج منه حتى يعود اليه
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقته يمينه
وشاب نشأ في عبادة الله
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اي أخاف الله.
رواه البخاري في صحيحه10\36\660, ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد.

لما كان يوسف أحد هؤلاء السبعة الذين تحدث عنهم رسول الله فقد رفض خيانة سيده العزيز, وعصى أمر زوجته "زليخة" وقال لها منكرا ما تريد:{ معاذ الله انه ربي} يقصد زوجها صاحب المنزل, ثم استكمل يوسف حديثه فقال: انه أحسن الي وأكرم مقامي عنده وفي فعلي هذا الذي تدعينني له ظلم,{ انه ربي أحسن مثواي لنه لا يفلح الظالمون}.

حاولت امرأة العزيز أن تجعل من يوسف الطاهر الطيّب, فاحشا خائنا ولكنها فشلت, وخرج يوسف من دارها هاربا مسرعا, ولما عاد صاحب الدار وهو زوجها اشتكت له مرّ الشكوى ووصفت يوسف بأنه خائن فاحش, زورا وبهتانا, واتهمته بالباطل, ولكن الرجل لم يصدق هذا الاتهام وحقق مع يوسف, وثبتت براءته, ولكنها لم توقف كيدها ليوسف عليه السلام, وخاصة أن نساء المدينة تحدثوا عنها وعن يوسف فأصابها غيظ شديد, وخاصة أنهن نساء الأمراء والكبراء, فقد طعنوا فيها وعابوا عليها, وشنعوا بها.

علمت بمكرهن وسمعت به, فأرادت أن تثبت لهن عذرها وأنهن لو شاهدن يوسف وما عليه من جمال لفعلوا مثل ما فعلت, ففكرت في حيلة تثبت من خلالها صدق ما فعلت, كي يعذرها النسوة, لأنها متأكدة من أن ما عليه هذا النبي الكريم يجعل الفتنة في قلوب النساء, فأرسلت لهن دعوة للغداء جامعة في منزلها, وأعدّت لهن مجلسا مريحا جميلا, وضيافة رائعة, وأحضرت من جملة ما أحضرت من الطعام وأدواته سكاكين يقطعن بها فاكهة وطعاما, وآتت كل واحدة منهم سكينا, وهيأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب, وكان في ريعان شبابه مليئا بكل تقاسيم الجمال, وأمرته ان يخرج عليهن وهو بكامل زينته وجماله فخرج عليهن وهو بدر في جماله, وروعة في ثيابه وشبابه.

فلما رأته النساء وهن في مجلس زليخا أعظمنه وأجللنه, وأخذتهن الهيبة والدهشة من فرط جماله وحسنه, وجعلت النسوة يقطعن أيديهن بالسكاكين ولا يشعرن بالجراح الاتي أصابتهن من يوسف وقد وصف القرآن الكريم هذا المشهد فجاءت الآيات تقول:
{فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشى له ما هذا بشر ان هذا الا ملك كريم}.

وقالت زليخا للنساء:{ فذلكن الذي لمتنني فيه} فعذرت النساء زليخا التي مدحت يوسف ووصفته بالطهارة والعفة, ولكن يوسف لم يستمع الى حديثهن ودعوتهن له الى طاعة سيدته, وقد هددته زليخا بادخاله السجن ان لم يكن لها من الطائعين, وقالت:{ لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين}.

استجار يوسف بربه ودعاه دعاء خالصا, بأن يخلصه من بين أيدي النساء, وقال في هذا الدعاء:{ قال رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين}. يوسف 33.

قال مناجيا ربه: يا رب ان تركتني لنفسي, فليس لي من نفسي الا العجز والضعف, ولا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا الا ما شاء الله, فأنا ضعيف الا ما قويتني وعطمتني وحفظتني بحولك وقوتك.

عند ذلك استجاب الله عز وجل لدعاء نبيه يوسف عليه السلام فقد فضل السجن على المعصية, معصية الله عز وجل, ولقد اعتبر يوسف عليه السلام أن السجن رحمة من اله عز وجل, وطريق يسلكه الى الطاعة ويعصم نفسه بدخول السجن من المعصية.

ودخل يوسف السجن رغم ثبوت براءته عند العزيز, الا أن العزيز وامرأته بدا لهم من الرأي أن دخول يوسف السجن ولو لوقت قصير يقلل من كلام الناس حولهم, وحكي أن يوسف عليه السلام لما دعا ربه قائلا:{ السجن أحب الي} أوحى الله اليه:" يا يوسف! أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب اليّ, ولو قلت العافية أحب اليّ لعوفيت. القرطبي ج9 الآيتان 33-34 ص 121 .

اقتاد الناس يوسف الى السجن مظلوما, فحمل مقيدا على ظهر حمار, وطيف به وقد قال بعضهم: "هذا جزاء من يعصي سيدته" أما يوسف فكان يقول: هذا السجن أيسر وأهون من مقطعات النيران, وسرابيل القطران, وشراب الحميم في جهنم, والأكل من شجرة الزقوم في جهنم والعياذ بالله, فلما وصل يوسف السجن وجد قوما قد انقطع رجاؤهم, واشتد بلاؤهم, فيومهم عمل شاق, ومذلة وتعذيب فقدوا من خلاله كرامتهم وعزتهم, واكتوت ظهورهم بسياط السجانين وظلمهم, واختلط فيهم المظلوم بالظالم والجاني بالبريء.

رأى يوسف حالتهم هذه, فتقدم اليهم وقال لهم: اصبروا وأبشروا تؤجروا, فقالوا له: يا فتى! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك, من أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف ابن صفي الله وحبيبه يعقوب, ابن نبي الله اسحاق, ابن خليل الله ابلااهيم عليه السلام.

أصبح يوسف في السجن وقد رأى الناس على حال يرثى لها فمنهم الحزين ومنهم المريض والجريح, فكان يعزي فيه الحزين, فلا يتركه حتى يذهب عنه الحزن والبأس, وكان يعود المريض, فيخفف عنه آلامه, ويداوي الجريح حتى يشفى من جراحه, وكان يوسف عليه السلام يصلي الليل كله قائما خاشعا لله عز وجل الذي أنعم عليه ونجاه من فتنة النساء.

وكان يقف بين يدي ربه باكيا حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب من شدة خشوعه وخوفه من الله عز وجل, حتى طهر به السجن, واستأنس به أهل السجن, فكان اذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف!

وقد نشأت علاقة ود شديدة وحب صادق بين يوسف وقائد السجن وصاحبه فوسّع عليه فيه, وأكمل له سبل الراحة, وقال له ذات يوم:

يا يوسف! لقد أحببتك حبا لم أحب شيئا مثل حبك!!

قال يوسف: أعوذ بالله من حبك.

قال قائد السجن: ولم تقول ذلك يا يوسف؟ وظن الرجل أن يوسف يرفض منه هذا الشعور الطيّب والود الخالص ولكن يوسف استدرك قائلا:" أحبني أبي ففعل بي اخوتي ما فعلوه".

يقصد أن اخوته ثارت غيرتهم عليه لما أحبه أبوه واستدرجوه الى البئر وألقوه فيه, وقالوا لأبيهم ان يوسف أكله الذئب وتبع ذلك بيعه للعزيز بعد اخراجه من البئر.

ثم قال يوسف: وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى.

تبسّم صاحب السجن ولكن حديث يوسف عليه السلام لم ينقص الود بينهما فكانا يلتقيان دوما ويسمران, وأصبحت شخصية يوسف دواء يشفي جراح المساجين, ويهون كروبهم وهمومهم, فاذا أصبح أهل السجن بحثوا عن يوسف ليستبشروا به, وشاوروه في آمالهم وأحلامهم, وحكّموه في خصامهم, وقبلوا حكمه بروح طيبة ونفس عالية, وأصبح السجن ليوسف ومن معه روضة جميلة, واسعة اتساع الحرية, هنيئة هناء الطاعة وتاعبادة, وانصرفت مشيئة الله الا يكون سجن يوسف سجنا با رحمة وحرية الى الطاعة, وذلك أرحم من سجن المعصية, فالذنب الذي يرتكبه الانسان يسجنه طوال عمره فيه أما الحرية فهي في عفة النفس اللسان واحترامها, فليست الجدران وحدها هي السجن, وانما السجن هو سجن النفس المذنبة الذليلة.

3. صاحبي السجن

قال تعالى: { ودخلمعه السجن فتيان}يوسف 36.

ظل يوسف في حبسه وسجنه راضي النفس قانعا بقضاء الله والذي هو خير له, ولما طالت أيام السجن أصبح ليوسف صحبة ةأصحاب, ومن أصحابه الذين كانوا يلازمونه فتيان أحدهما اسمه "مجلب" والآخر " نبوا" كان يوسف يودهما كما يود أصحابه في السجن ويحبهما كما يحب أهل السجن جميعا مما زاد في التصقهما به, ودوام مجالسته والتحدث اليه في كل أمر يخطر ببالهما. لم يكن يعلم يوسف سبب سجنهما, ومع دورة الأيام والزمن علم السبب فقد كان الملك الوليد بن الريان ملك مصر طويل العمر والملك, وأمضى زمنا طويلا في ملكه ما جعل الناس يملون ملكه فكادوا له, وبدأ الكيد من جماعة من مصر فأرادوا المكر بالملك واغتياله فدسوا الى هذين الغلامين وأرسلوا لهما من يفاوضهما في الأمر, فقد كان "مجلب" صاحب الطعام وخباز الملك وطباخه الذي يقدم له الطعام كل يوم ويطعمه, أما "نبوا" فقد كان ساقيه يقدم له الئراب بأنواعه, ولا يأمن الوليد لغيرهما في تقديم الطعام والشراب له سواء أكان وحيدا أو مع حاشيته وضيوفه. جاءهما جماعة من مصر وعرضوا عليهما مالا كثيرا وبساتين ومزارع جميلة اذا هما دسا السم في طعام الوليد, وضمنا لهما السلامة من أي خطر قد يتعرضان له, طالت المفاوضات, وبعدها وافق "مجلب" سريعا وتردد "نبوا" كثيرا, وفي النهاية وافقا على طلب هؤلاء الناس وحصلا على بعض المال منهم.

جاء موعد غداء الملك في اليوم التالي, فدس مجلب السم في الطعام وعمل بما اتفق عليه مع المصريين الماعارضين للملك الواليد بن الريان والراغبين في اغتياله ليخلو لهم حكم مصر, أما نبوا فقد حفظ عشرة سيده ورغب ألا يخون الأمانة, فلم يضع سما في شراب الملك.

حمل كل منهما ما يخصه من الطعام والشراب فتقدم مجلب بمائدة طعام الملك وحمل نبوا أواني الشرب ودخل على مليكه, وامتدت يد الواليد بن الريان للطعام فصرخ نبوا قائلا:" لا تأكل يا مولاي ففي الطعام سم وضعه مجلب"!! تراجع الملك ورفع يده فورا عن الطعام بعد أن امسك به, ونظر الى مجلب في دهشة, وتنقل بصره بين مجلب ونبوا, وقال موجها حديثه لنبوا وقد وقف مجلب يرتعد من شدة الخوف, قال: ما تقول يا نبوا؟!

قال نبوا: أقول يا مولاي ان الطعام الذي أمامك مسموم فقد دس مجلب السم فيه.

فقال الملك: وأنت ماذا فعلت يا بنوا؟ أوضعت السم في الشراب؟

فقال نبوا: حاشا لله يا مولاي, فأنت ولي نعمتي, ومليكي الذي أرتع في قصوره, وأسعد بجواره, وأكرّم نفسي من أمواله, هل يعقل أن أخون كل هذا يا مولاي؟

فقال الملك وهو ينظر الى مجلب نظرة قاسية:

اذن.. تناول الشراب واشربه يا نبوا!!

شرب نبوا كأس الملك وأتبعه بكأس آخر, ووقف هادئا سليما لم يصبه شيء من الأذى لأن الشراب كان خاليا من السم وطازجا.

اعتدل الملك في جلسته, ونادى محجب كي يقترب منه قليلا, وقال له: كل من هذا الطعام يا مجلب.

قال مجلب وهو يرتعش وقد تصبب عرقا: لا أستطيع أيها الملك لا أستطيع, اعفني من هذه المهمة.

صرخ الملك في مجلب قائلا:

أيها الخائن, أنت تعرف أن الطعام مسموم, أتخاف من الموت الآن, وقد أردت أ، تقتلني, قل لي من وضع السم في هذا الطعام؟

تأتأ مجلب وارتبك وقال في تردد وخوف: لا..لا أدري.

نادى الملك جميع حراسه, وقال: اقبضوا على هؤلاء وأحضروا لي حيوانا أو دابة تأكل من هذا الطعام.

أحضر الحراس حصانا كبير السن وجعلوه يأكل من الخبز المسموم والطعام. فجاؤوا به, ولما أكل صهل بصوت عال صهلة وسقط على الأرض ميتا, عندئذ تأكد الملك من صدق نبوا وقبض على مجلب ومعه نبوا وأجريت معهما التحقيقات التي أدانتهما ادانة شديدة, مجلب وضع الطعام مسموما أمام الملك ولم يحفظ الأمانة التي ائتمنه عليها الملك وهي حياته, فمن يأمن لانسان أن يقدم له طعامه, فانه يأمنه على حياته وعمره, ونبول لتهم أيضا بأنه كان على علم بالمؤامرة وتأخر في الابلاغ عنها حتى اللحظات الأخيرة.

وسيق الاثنان الى السجن ليقضيا عقوبة رادعة, بعد أن نجيا من حكم الاعدام, وهناك في السجن أصبحا مع يوسف عليه السلام في كل مكان يجلس فيه صباحا ومساءا.

وذات يوم جلس الفتيان الى جوار يوسف وقد أهمهما أمر وشغلهما, وساد فيهم صمت لوقت قصير قطعه نبوا بقوله:

ما علمك الذي تعلمه يا يوسف؟

فقال يوسف: اني أعبّر الرؤيا وأفسرها تفسيرا كاملا بأمر الله.

عاد الجميع الى صمتهم الأول ونظر يوسف في وجه نبوا ومجلب فوجدهما مكروبين مهمومين, كأن بهما كربا أو أصابتهما صائبة أو مصيبة, عندئذ بادرهما يوسف عليه السلام بقوله: ما لي أراكما مكروبين؟ القرطبي ج 9 ص 36-38.

قالا: انا رأينا في المنام ما كرهنا أن نراه.

قال يوسف: وما هو؟ قصا عليّ ما رأيتما.

تردد الفتيان لحظة في الحديث ثم استهل مجلب الخباز حديثه قائلا:

أتنبئنا يا يوسف بتأويل وتفسير ما رأينا؟

قال يوسف: نعم لقد قلت لكما أنني أسطيع أن أنبئكما به ان شاء الله تعالى..

قال مجلب على الفور:

رأيت كأنني اختبزت وصنعت خبزا في ثلاثة تنانير أو ثلاثة أفران لصناعة الخبز وجعلت الخبز في ثلاث سلال, فوضعته على رأسي فجاء الطير تأكل منه.

وقال نبوا ليوسف:

رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض, فعصرتهن في ثلاث أوان, ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى, صمت يوسف قليلا وقد اشرأبت أعناق صاحبيه ينتظران على شوق تفسير حلميهما العجيبين, ثم تغيّر لونه لما عرفه من تفسير الرؤيا, عندئذ أعاد نبوا رؤياه بصيغة أخرى فقال ليوسف: أيها العالم رأيت كأني في بستان فاذا أنا أقف تحت كرمة عنب عليه ثلاث عناقيد فجنيتها, وكان كأس الملك بيدي فعصرتها وسقيت الملك شربة. عرائس المجالس للثعلبي ص 108.

نظر اليه يوسف عليه السلام, عرف أنه يستعجل التفسير, ونظر باشفاق الى مجلب الذي لم يشأ ا، يكرر سرد رؤياه عليه مثل ما فعل نبوا.

كره يوسف عليه السلام أن يعبر ويفسر لهما ما سألاه عن الرؤيا لما علم في ذلك من المكروه الذي سيقع على أحدهما وهو مجلب, فقد كان تفسير رؤياه مشقة عليه لا يبشر بخير, لهذا السبب أعرض يوسف عليه السلام وامتنع عن تفسير الرؤيا وبدأ يتحدث في أمر آخر فيه اعراض عن الخوض في تفسير الرؤيا, وفيه دعوة لاسلام أهل السجن وهو كفار.

رتب يوسف عليه السلام أفكاره, وجعل همه الأول هو الدعوة لله عز وجل لأن ما عنده من علم هو من الله عز وجل لا يستطيع أن يدعي أو أن يقول ان ما عندي من تفسير للرؤيا هو من علمي الذي جاء من أفكاري, وليجعل في قلوب هؤلاء الأصحاب الذين يعيشون معه في السجن شيئا من الايمان والتقوى, تستقيم معه شروط صدق الرؤيا, فايمان الانسان وصدقه يجعل رؤياه صادقة, فلن تجد رؤيا صادقة لانسان كاذب أو عاص لله عز وجل, الرؤيا الصادقة نعمة من الله, والمعصية تحرم الانسان من هذه النعمة, فالمعاصي تزيل النعم وتقضي عليها, والطاعات تجلب الخير والبشر والسعادة للناس جميعا, لهذ اتجه يوسف اتجاها مغايرا في حديثه قبل أن يفسر الرؤيا.

بيّن يوسف لصاحبي السجن أن الله خصه بعلم عظيم, ومن هذا العلم قال يوسف:{ لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما}.

يعني لا يجيئكما غدا طعام من منزلكما الا أخبرتكما به الآن قبل أن يأتي.

فقالا له: هذا من فعل العرّافين والكهنة.

فقال يوسف: ما أنا بكاهن, وانما ذلك مما علمنيه ربي, اني لا أخبركما به تكهنا وتنجيما, بل هو بوحي من الله عز وجل. تفسير القرطبي ج9 ص 127.

وبيّن لهم يوسف عليه السلام دينه ومذهبه, وقال لهما: اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت دين وملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب وكلهم أنبياء مؤمنون موحدون لله عز وجل وما ينبغي لي ولا لآبائي أن نشرك بالله من شيء, وهذا الايمان فضل من الله علينا أن عصمنا من الشرّ كله, وزيّن لنا فعل الخيرات للناس, ومن فضل الله علينا أن جعلنا أنبياء صالحين, وفضله سبحانه عز وجل على الناس وهم عباده الصالحين, ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على ما أتاهم من نعمة وفضل تحيط بهم ولا يشعرون بها.

استمع الفتيان لحديث يوسف عليه السلام وقد تشوّقا لتأويل الرؤيا, ولكن يوسف لم ينه دعوته ورسالته لهما بعد بل مضى يقول:

{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} بأي صفة تحبون أن يكون لكم رب تعبدونه؟ أتحبون أن تعبدوا آلهة متفرقة في العدد والسن؟ انها اصنام تلك التي تعبدونها لا تضر ولا تنفع, أهذه الأصنام خير لكم أم الله الواحد القهار الذي قهر كل شيء, ان الآلهة المتفرقة تتفرّق في الارادة, ولو كانوا كذلك لعلا اله على اله, ولتصارعت كل واحدة مع الأخرى.

ان ما تعبدونه من أصنام يا صاحبي السجن من دون الله عز وجل ليست من الأوهية في شيء, وما هي الا أسماء سميتموها أنتم, لانها جماد لا يتكلم ولا يعقل.

تحدث يوسف عن الايمان والعقيدة والربوبية والطاعة فهذه رسالته في الدنيا شأنه شأن أي نبي, يدعو الناس لعبادة الله الواحد القهار, ويدعوهم للتوحيد والطاعة, والايمان بأن الربوبية لله, ولا يعبد الناس الا الله من خلال هذا الدين القيّم.

4. تفسير الرؤيا

قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام:{ يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا, وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه, قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}. يوسف 41.

بعد أن دعاهما دعوة الايمان, وبيّن لهما فطنته ودرايته, وميز لهما بين تلك الأصنام التي لا تنفع ولا تضر, وبين الله الواحد القهار الذي لا اله سواه ولا شريك له في الملك, وهو على كل شيء قدير. بعد كل هذا بدأ يوسف عليه السلام في تفسير الرؤيا فقال موجها حديثه للساقي: انك ترد الى عملك الذي كنت فيه وهو سقاية الملك بعد ثلاثة أيام.

وقال للآخر: أما أنت فتدعى بعد ثلاثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك.

نظر مجلب ونبوا في يوسف وتفحصا بعضهما بعضا من المفاجأة.

وارتعد نبوا خوفا وقال: والله ما رأيت شيئا وان هذه الرؤيا كذبنا بها عليك لنعرف مدى فراستك في تفسير الأحلام.

وقال الثاني: ما رأينا شيئا انما كنا نلعب ونجرّب عملك هذا.

فقال يوسف عليه السلام في حزم شديد.

{ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}.

أي انتهى الأمر ولا جدال مرّة أخرى.

وقال يوسف في سلام لنبوا وهو الساقي الذي ظن أنه سينجو من الموت ويعود الى حالته الأولى مع الملك الوليد بن الريان, فيدخل قصره ويكون ساقيه مرة أخرى, قال له يوسف:

{ اذكرني عند ربك} أي تحدث عني عند سيدك, واذكر له ما رأيته من حالي, وما أنا عليه من تفسير الرؤيا, وأخبره أني محبوس بلا ذنب, وقد كان لهذا الطلب من يوسف عتاب شديد اذ استعان وهو في محنته ببشر ولم يستعن بالله عز وجل. وقد ذكر العلماء أن يوسف ظل في السجن بضع سنين وجاء ذلك في الآية الكريمة:

{ فلبث في السجن بضع سنين}.

وذكر المفسرون أن جبريل عليه السلام, دخل على يوسف عليه السلام في السجن, فعرفه يوسف, فقال جبريل: يا أخا المنذرين! ما لي أراك من الخاطئين؟! وقال جبريل أيضا: يا طاهر ابن الطاهرين! يقرئك السلام رب العالمين ويقول: أما استحييت اذ استغثت بالآدميين؟! وعزتي وجلالي! لألبثنك في السجن بضع سنين.

فقال يوسف: يا جبريل أهو عني راض؟

قال جبريل: نعم!

فقال يوسف: لا أبالي الساعة. تفسير القرطبي الجزء الاتسع ص 128.

وروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله تعالى في ذلك, وطوّل سجنه, وقال له: يا يوسف من خلصك من القتل من أيدي اخوتك؟!

قال الله تعالى.
فقال له: من أخرجك من البئر؟
قال يوسف: الله تعالى.
قال جبريل: فمن عصمك من الفاحشة؟
قال يوسف: الله تعالى.
قال جبريل: يا يوسف فمن صرف عنك كيد النساء؟
قال يوسف: الله تعالى.
فقال جبريل: فكيف وثقت بمخلوق وتركت ربك فلم تسأله؟!. تفسير القرطبي ج9 ص 129.
قال يوسف: " يا رب كلمة زلت مني".

وجعل يوسف عليه السلام يتوسل الى ربه ويدعوه ويقول: أسألك يا اله ابراهيم واسحق والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني.

فقال له جبريل: فان عقوبتك يا يوسف أن تظل في السجن بضع سنين.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام:" رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال:{ واذكرني عند ربك} ما لبث في السجن بضع سنين".

لهذا ظل يوسف في السجن سبع سنين, وكان يمكن أن يخرج قبل هذا لولا كلمته للساقي بأن يذكره عند الملك, ليعلم ما وقع عليه من ظلم, وما أوتي من علم في تفسير الرؤيا وتعبيرها تعبيرا صحيحا بفضل الله وارادته عز وجل.

ظل يوسف ينتظر الفرج, فرج الله عز وجل كي يخرج من السجن بعد هذه التجربة الكبيرة, وقد كان السجن له في البداية رحمة وتفضيلا فضله يوسف على كيد النساء عندما اختار قائلا:

{ رب السجن أحب اليّ مما يدعونني اليه}.

5. رؤيا الملك وخروج يوسف من السجن

انصرفت مشيئة الله أن يخرج يوسف من السجن, ودنا فرج الله على يوشسف, فقد رأى الملك الوليد بن ريان رؤياه التي تسببت في خروج يوسف من السجن, فنزل جبريل فسلم على يوسف وبشره بالفرج, وأن ارادة الله قد انصرفت كي يخرج من السجن.

وقال جبريل: ان الله مخرجك من سجنك, وممكن لك في الأرض, يذل لك ملوكها, ويطيعك جبابرتها, ومعطيك الكلمة العليا على اخوتك وذلك بسبب رؤيا رآها الملك.

والرؤيا تقول أن الملك الأكبر الريان بن الوليد رأى في نومه كأنه خرج من نهر يابس سبع بقرات سمان, كبيرات الحجم, يكاد اللحم يسقط من جوانب كل واحدة من كثرة السمنة, وهذ البقرات السبع تطاردهن سبع عجاف هزيلات ضعيفات لا يظهر منهن سوى الهيكل العظمي, وظلت تطاردهن حتى أمسكت كل بقرة من البقرات الضعاف الهزيلات ببقرة من السمان في آذانها وأكلتها فلم تبق منها الا القرنين, ورأى الملك سبع سنبلات قمح خضراء قد أقبل عليهن سبع سنبلات يابسات فأكلتهن حتى أتين عليهن فلم يبق منهن شيء وهن يابسات, وكذلك البقرات السبع كن عجافا ضعافا هزيلات حتى بعد أن أكلن البقرات السمان.

استيقظ الملك الريان من نومه فزعا خائفا فقد هالته الرؤيا وأخافته, فكيف يرى الانسان بقرة ضعيفة هزيلة تأكل بقرة سمينة ضخمة مكتنزة باللحم, ترك الملك فراشه على الفور وارتدى ملابسه مسرعا وغادر غرفة نومه الى ديوانه ومجلسه, حتى رآه وزراؤه على هذه الحالة وحاشيته, ولما أخذ مجلسه نظر الى الحضور في قلق وبدأ يقصّ رؤياه على الحاضرين فقال:
{اني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات, يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون}. يوسف 43.

كان مجلسه جامعا, فقد أرسل الى الناس وأهل العلم منهم والعرّافة والكهانة والنجامة والسحرة, وأشراف قومه. فلما توجه اليهم بالأمر وطلب أن يفسروا رؤياه وقال:
{يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون}.

أجابوا جميعا اجابة واحدة قالوا فيها انها مجرد أحلام خاطئة وهي أشياء مختلطة عليك أيها الملك وأنت نائم, وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين, أي لا نعرف تفسير الأحلام لأنها مجرّد أشياء وأحداث مختلطة يتخيلها النائم في نومه.

قطع كل هذه الأصوات صوت نبوا ساقي الملك الذي خرج من السجن منذ فترة وجيزة وقال في صوت واثق حازم بعد أن تذكر حاجة يوسف الى نسيها سنوات عديدة عندما قال له يوسف:{ أذكرني عند ربك} أي عند ملكك.

قال: أنا انبئكم بتأويل هذه الرؤيا وتفسيرها, وأعرف من يفسرها لك أيها الملك بدقة. فوافق الملك على طلب الساقي.

فقال الساقي: أرسلني الى السجن بعيدا عن المدينة, فبعثوه فأتى بيوسف فقال له: أيها الصديق الصادق في تفسير وتأويل الرؤيا أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف, وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع الى الناس لعلهم يعلمون.

فقال يوسف عليه السلام: تزرعون سبع سنين, فالسبع بقرات سبع سنين تزرعون فيهن فيأتي المحصول عاليا, وتكون هذه السنوات السبع الأولى سنوات خير, وعليكم بترك ما يزيد عن حاجتكم في سنبله حتى لا يفسد عند تخزينه فترة زمنية طويلة, لأن السبع سنوات التالية لها ستكون شديدة لا زرع ولا محصول فيها. فتأكلون ما تم تخزينه من السبع الأولى, فاذا حبستم بذور القمح في سنابلها ستجدونه سليما, تصنعون منه طعامكم ولا تحدث بينكم مجاعة أو هلاك. وأضاف يوسف لرؤيا الملك شيئا من عنده يدل على ما أتاه الله من علم للغيب يتجاوز حتى رؤيا الملك التي فسرها تفسيرا صادقا تؤكده الأيام والسنون.

أضاف يوسف قائلا:{ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}.

يغاث فيه الناس بالمطر والخير الكثير الوافر حتى أنهم في هذا العام يعصرون العنب خمرا والسمسم دهنا, والزيتون زيتا, وتحلب الألبان لكثرتها في ضروع الماشية, ويدل ذلك على كثرة النابات وعلى كثرة ووفرة الغيث, ونجاة الناس مما كانوا فيه من حاجة.

وبهذا العام الذي أضافه يوسف عليه السلام لرؤيا الملك الذي تحدث فيه عن سبع وسبع أي أربعة عشر عاما أضاف يوسف عليه السلام عامه اظهارا لفضله, واعلاما لمكانته العلمية وبمعرفته لعلم الغيب الذي خصه به ربه كما خص عيسى بن مريم أيضا.

عاد الساقي الى الملك الريان, وقص عليه تأويل يوسف لرؤياه والسنةالتي أضافها لرؤياه مما يدل على صدق ما فسر يوسف وأنه واقع بأمر الله لا محالة من ذلك. مما جعل الملك يشعربمكانة هذا الرجل الصالح والنبي الطاهر يوسف الصديق عليه السلام.

6. خروج من السجن وبراءة عظيمة

عرف الملك أن الذي قاله يوسف لا بد وأنه واقع لا محالة, فقال لساقيه نبوا وحرسه وأصحاب السجن القائمين عليه:
{ائتوني به} اذهبوا وأحضروه فورا.

خرج نبوا مسرعا من المدينة قاصدا السجن وقد عرف أنه تأخر على يوسف ولم يكره الا بعد بضع سنين. ولما وصل السجن دخل الى يوسف مهللا فرحا سعيدا بخروجه من السجن ولكن يوسف عليه السلام فاجأ صاحبه وقال: لن أذهب معك الآن واشترط لخروجه شرطا من الساقي أن يبلغ للملك, فقال يوسف:
{ارجع الى ربك فسئله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم}. يوسف 50.

رفض يوسف عليه السلام الخروج حتى تصح براءته عند الملك مما قذف به واتهم به, ودخل من أجله السجن وهو بريء منه.

رفض يوسف هليه السلام أن يخرج من السجن بعطف الملك, ويرميه الناس بعدها ويقولون: ذا الذي رواد امرأة مولاه. فأراد يوسف أن يبين براءته, ويحقق منزلته ومكانته من العفة والطهارة والخير.

فلهذا قال لنبوا ساقي الملك: ارجع الى الملك وقل له واسأله:{ ما بال النسوة التي قطعن أيديهن, ان ربي بطيدهن عليم}.

فرجع رسول الملك نبوا من عند يوسف حاملا رسالته هذه, فلما سمع الملك كلام يوسف, دعا النسوة اللاتي قطعن أيديهن ومعهن امرأة العزيز, وقال لهن: ما شأنكن, وذلك أن كل واحدة منكن كلمت يوسف في حق نفسها, فأجبن جميعا اجابة واحدة وقلن: حاشا لله ما علمنا على يوسف من سوء فهو شاب طاهر عفيف النفس حسن الخلق.

ونهضت امرأة العزيز من وسط النسوة وقالت:{ الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه} وان يوسف صادق ولم يكذب, فلما سمع يوسف هذا الكلام وهذه البراءة من امرأة العزيز قال:ليعلم سيدي العزيز أني لم أخنه بالغيب كما قيل عني واتهمني الناس.

فلما تبين للملك عذر يوسف عليه السلام وبراءته, عرف أمانته وكفايته وديانته وعلمه وعقله, وقال: {ائتوني به أستخلصه لنفسي} فلما جاء نبوا الساقي ورسول الملك الى يوسف قال له: أجب الملك الآن.

خرج يوسف من السجن ودعا لأهل السجن بدعاء مشهور قال فيه:
"اللهم عطف قلوب الأخيار, ولا تعم عنهم الأخبار" فهم أعلم الناس بالأخبار الى اليوم في كل بلدة.

ولما خرج من السجن كتب على بابه:
"هذا قبر الأحياء, وبيت الأحزان, وتجربة الأصدقاء, وشماتة الأعداء" العرائس للثعلبي ص 111.

ثم اغتسل يوسف وتنظف وتطهر من درن السجن, ولبس ثيابا جديدة رائعة, وقصد الى قصر الملك الريان, فلما وقف باب الملك قال: حسبي ربي من دنياي وحسبي ربي من خلقه عز جاهه وجل ثناؤه ولا اله غيره.

فلما دخل على الملك قال: اللهم اني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره.

فلما نظر اليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية, فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ وما هذه اللغة؟

قال يوسف: لسان عمي اسماعيل, ثم دعا له بالعبرانية.

فقال له الملك: ما هذا اللسان؟

قال يوسف: هذا لسان أبي يعقوب.

أعجب الملك بفصاحة يوسف ولغاته كما أعجب بأخلاقه وعفته وكان يوسف قد بلغ الثلاثين عاما, وأجلسه الى جواره وقال: اني أحب أن أسمع رؤياي منك مشافهة.

فقال يوسف: نعم أيها الملك," لقد رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غير عجاف كشف لك عنهن نهر النيل, فطلعن عليك من شاطئه, ينزل اللبن من ضروعهن, فبينما أنت كذلك تنظر اليهن وقد أعجبك حسنهن اذ نضب النيل, وغار ماؤه, وأصبح قليلا, وظهر قاعه, فخرج من طينه ووحله, سبع بقرات عجاف بطونهن لا تظهر, ليس لهن ضروع من شدة الضعف, ولهن أنياب وأسنان مخيفة, وأضراس وأكف كأكف الكلاب, وخراطيم كخراطيم السباع, فاختلطن بالبقرات السمان وهجمن عليهن وفترسهن افتراس السباع, وأكلن لحمهن, ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن, فبينما أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل ضعاف ثم لم يظهر فيهن سمنة مما أكلن اذا بسبع سنبلات خضر وسبع أخر سود يابسات في منبت واحد جذورهن في التراب والماء, وبينما تقول في نفسك ما هذا؟ هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات في المنبت واحد وأصولهن في الماء اذ هبت فردت أوراق السنبلات السود اليابسات على الخضر المثمرات فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن وصرن سوادا متغيرات فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا, ثم انتبهت مذعورا" العرائس للثعلبي 111-112 .

فقال له الملك: فما ترى في رؤياي أيها الصديق؟

فقال يوسف: أرى أيها الملك أن تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين الخصبة وتبني الأهرام والخزائن وتجعل القمح فيها بسنبله وقصبه ليكون أبقى ولا يفسد وقصبة القمح تصبح علفا للدواب. وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمر فيكفيك ما جمعته من طعام لأهل مصر ومن حولها. ثم يأتيك الناس من كل مكان ليأخذوا مما كنزت لهم من هذا الطعام, فيجتمع عندك من الكنوز ما لا يجتمع لأحد من قبلك.

تبسّم الريّان ونظر ليوسف نظرة اكبار واجلال وقال له: ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه لي ويكفيني الشغل فيه؟

فقال يوسف:{ اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم} أي أعلم بسني المجاعة وكاتب حاسب لهذا كله.

فقال الملك: ومن أحق منك؟ وولاه خزائن الأرض وقال له:{ انك اليوم لدينا مكين أمين}.

وهلك العزيز الذي كان على هذه الخزائن قبل يوسف, وزوّج الملك يوسف بامرأة العزيز, وأنجب منها رجلين هما أفراثيم بن يوسف, ومنشا بن يوسف, القرطبي ج 9 ص 140, وأصبح يوسف من يومها مكينا أمينا, بعد أن خصه الله بمعجزات كثيرة لا تحص ولا تعد, ولعل أشهرها تأويله للرؤيا, رؤيا صاحبي السجن ورؤيا الملك الوليد.
[SIGPIC][/SIGPIC]
قديم 2011-10-17, 07:26
رقم المشاركة : 8  
jalal77
:: صديق المنتدى ::
افتراضي رد: معجزات الأنبياء
أيوب المغتسل البارد
قال تعالى: {واذكر عبدنا أيوب اذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب* اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} ص 41,42.

1. المغتسل البارد

ذمر المؤرخون روايات كثيرة عن أيوب, وذكر المفسرون كذلك.. وأيوب هو نبي الله من نسل ابراهيم عليه السلام, وقد تزوج من ذرية يوسف بن يعقوب فتاة أسمها رحمة كانت مثله صلاحا وتقوى, جازت زوجها في عبادته لله عز وجل, وفي حمده وشكره له , وفي تقربه اليه.

وقد اشتهر أيوب بين الناس بالصبر, وصقته مشهورة, ولنبدأ مع أيوب الغني, فقد كان رجلا غنيا, ذا مال كثير, بسط الله له الرزق, وافسح له طريق الثراء, حتى كان يملك قرية كاملة في دمشق تسمى "البثنية" وهي قرية تقع بين دمشق وأذرعات, ويملك ما فيها من مزارع خضراء منبسطة فسيحة, وله فيها بساتين مزهرة, وله بها منشآت وديار.

كانت الأبقار والشياه الحلوب, ترتع في مزارعه, وتنيخ في مرابضه الابل تاخفاف, والنياق الولود, وتسرح بأرضه الخيل والبغال والحمير.

ولقد أفاض الله برزقه على عبده الصالح أيوب ففوق ما رزقه من نعمة المال, رزقه نعمة أخرى جزيلة محبوبة, تلك نعمة الأولاد كم البنات والبنين.

فقد كمل له بذلك ما تمنّاه كل امرئ لنفسه من متع الدنيا ورفاهية الحياة, ولذاذة العيش, ونضرة النعيم.

فهل كانأيوب بما أعطاه الله من نعم الدنيا وبهجة الحياة منعما مرفها, ينعم بجاه المال ويهنأ بخلف من البنين والبنات, ونسى كل ما عداه؟ والحق يقال عكس ذلك, فلم يكن أيوب كذلك, فلم يبخل على نفسه وعياله, وكان لا يحب كنز المال.

كان أيوب ذا مال, ولكن كانت أمواله لمن حوله قبلأن تكون لنفسه, وكان منها زكاة وهبات وعطايا كان برا بكل من حوله! يرعى غلمانه وخدمه قبل أن يرعى أهله, فلكل رجل من أتباعه زوجة ودار ومتاع, ولكل غلام مدّخر من المال.

وكان لا يطعم طعاما وهو يعلم بمكان جائع يشتهي الطعام!

وكان لسانه لا يكف عن ذكر الله والحمد والتسبيح لربه ولا يفتر جنانه عن التفكير في الله عز وجل.

وتحدث الناس عن أيوب, ولهجت ألسنتهم بالدعاء له والثناء عليه, وعمرت قلوبهم بحبه والاخلاص له! وكذلك أهل السماء من الملائكة ذكروا أيوب ذكرا حسنا.

كل هذا أغاظ ابليس, كثرة ذكر أيوب والثناء عليه, وابليس أقسم أن يغوي البشر أجمعين, وبسبب ذلك طرده ربه من الجنة جزاء عصيانه, فقال كلمته المعروفة: رب, بما أغويتني وطردتني بسبب آدم لأزينن لذريته في الأرض, ولأغوينهم أجمعين.

واستطرد ابليس قائلا: الا عبادك المخلصين.

وكان أيوب عليه السلام من عباده المخلصين.

وكانت محنة أيوب وقصة مرضه المشهورة هي محنته, ولعل أشهر ما ذكر عن هذه المحنة كانت هذه القصة التي جاء فيها:

تحدّث الملائكة,ملائكة الأرض فيما بينهم عن الخلق وعبادتهم, قال قائل منهم:

ما على الأرض اليوم خير من أيوب, هو أعظم المؤمنين ايمانا, وأكثرهم عبادة لله, وشكرا لنعمته ودعوة له.

وسمع الشيطان ما يقال... فساءه ذلك, وطار الى أيوب محاولا اغواءه, ولكن أيوب بقي, قلبه هو الصفاء لله والحب لله.

وقد كان أيوب عليه السلام محصنا بايمانه ضد وسوسة الشيطان, فما استطاع ابليس أن يغريه بشيء مما يغري به الأغنياء! وما قدر على أن يدفع به الى ما كان يدفع اليه أمثاله من الأثرياء!!

حاول ابليس عن طريق شياطين البشر أن يحرّض أيوب على ارتكاب المعاصي, فأتاه بشرذمة من الناس يزيّنون له اللهو والمجون والمتعة المحرّمة, ويدعونه الى ترك التقشف, والى التهاون في العبادة لينعم نفسه بمباهج الدنيا, ويمتعها بما أوتي من نعم وجاه ومال.

ولكن قلب أيوب كان تقيّا نقيّا, فلم يستجب لما زيّن له؛ وكانت نفسه مؤمنة ورعة, فلم تسمع ما دعيت اليه.

كانت متعة أيوب عليه السلام تكمن في أشياء كثيرة, كانت متعته في أن يكفل أيتاما مات عنهم عائلهم, وكانت بهجته في أن يساعد بماله أرملة ذهب عنها رجلها, أو فقير أضرّ به فقره, أو عاجزا أقعده عجزه, فيشعر بالسعادة لسعادتهم ويهنأ لهنائهم, ويشكر الله على أن هيأ له كل هذه السعادة وكل هذا الهناء.

وطال الأمد بابليس دون أن يستطيع الوصول الى غايته من استمالة أيوب ببلاء لم يكن منتظرا, سرّ له ابليس وفرح فعاود مع أيوب نشاطه من جديد, ونعود الى أشهر رواية عن أيوب ومحنته فنقول:

حين يئس الشيطان من اغواء أيوب, قال لله تعالى:

يا رب ان عبدك أيوب الذي يعبدك ويقدسك لا يعبدك حبا, وانما يعبدك لأغراض.

يعبدك ثمنا لما منحته من مال وبنين, وما أعطيته من ثروة وعقار, وهو يطمع أن تحفظ عليه ماله وثراءه وأولاده, وكأن النعم العديدة التي منحتها له هي السر في عبادته, انه يخاف أن يمسها الفناء أو تزول.. وعلى ذلك فعبادته مشوبة بالرغبة والرهبة, يشيع فيها الخوف والطمع.. وليست عبادة خالصة ولا حبا خالصا.

وقد ذكرت الرواية أن الله تعالى قال لابليس:

ان أيوب عبد مؤمن خالص الايمان.. وليكون أيوب قبسا من الايمان ومثالا عاليا في الصبر.. قد أبحتك ماله وعقاره.. افعل ما تريد, ثم انظر الى ما تنتهي.

وهكذا انطلقت الشياطين فأتت على أرض أيوب وأملاكه وزروعه ونعمه ودمّرتها جميعا.. وانحدر أيوب من قمة الثراء الى حضيض الفقر فجأة.. وانتظر الشيطان أيوب.. وقال أيوب عليه السلام عن المال:

عارية لله استردها.. ووديعة كانت عندنا فأخذها, نعمنا بها دهرا, فالحمد لله على ما أنعم, وسلبنا اياها اليوم, فله الحمد معطيا وسالبا, راضيا وساخطا, نافعا وضارا, وهو الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء, ويضر من يشاء, ويذل من يشاء, ثم خرّ أيوب عليه السلام ساجدا وترك ابليس وسط دهشته المخزية.

وعاد الشيطان يقول لله تعالى:

يا رب.. اذا كان أيوب لم يقابل النعمة الا بالحمد, والمصيبة الا بالصبر, فليس ذلك الا اعتدادا بما لديه من أولاد.. انه يطمع أن يشتدّ بهم ظهره ويسترد بهم ثروته.

وتستطرد الرواية فتقول: ان الله أباح للشيطان أولاد أيوب.. فزلزل عليهم البيت الذي يسكنون فيه فقتلهم جميعا. أنبياء الله لأحمد بهجت ص 171.

وهنا قال أيوب داعيا ربه:

الله أعطى.. والله أخذ.. فله الحمد معطيا وسالبا, ساخطا وراضيا, نافعا وضارا.

ثم خرّ أيوب عليه السلام ساجدا وترك ابليس وسط دهشته المخزية.

وعاد ابليس يدعو الله, أن أيوب لم يزل صابرا لأنه معافى في بدنه, ولو أنك سلطتني يا رب على بدنه.. فسوف تكف عن صبره.

وتقول الرواية أن الله أباح جسد أيوب للشيطان يتصرف فيه كيف يشاء.. فضرب الشيطان جسد أيوب من رأسه حتى قدميه, فمرض أيوب مرضا جلديا راح لحمه يتساقط ويتقيّح.. حتى هجره الأهل والأصحاب.. ولم يعد معه الا زوجته..

ومرت الأيام, وتتابعت الشهور, وأيوب تزداد حالته سوءا,حتى لم يعد يستطيع أحد أن يقترب منه لعفن قروحه, ونتن رائحتها, فبرم الناس به, ونفروا منه, وانقطعوا عن زيارته, وتذمّر أهله من جيرته وظلت زوجته هي الوحيدة التي تخدمه, وتقضي له حاجاته.

ومرت السنون وأهل أيوب لا يستطيعون على جيرته صبرا, ولا يحتملون له قربا, وجهروا باستيائهم, وأظهروا تذمّرهم بالأقوال والأفعال, فلم تجد رحمة بدا من أن تعرش لزوجها عريشا في ظاهر المدينة وتنقله اليه.

وانتقل أيوب عليه السلام الذي كان يملك الضياع, ويسكن القصور الى عريش من القش على قارعة الطريق, ورغم ذلك لم يتركه الناس لحاله, بل كانوا اذا مرّوا عليه أظهروا تذمرهم, وأبدوا تأففهم. وقالوا: لو كان رب هذا له حاجة فيه لمل فعل به ذلك.

وهكذا ظل أيوب تمر عليه السنة تلو السنة وهو جسد ملقى في عريشه لا يصدر عنه حركة الا حركة لسانه في فمه بذكر الله, ولا يسمع منه الا صوت يردد اسم الله.

كانت رحمة زوجة أيوب تقوم بخدمة الناس لتكسب لها ولأيوب من طعامهما, وما يقوم بأودهما. ثم تعود اليه في نهاية اليوم بما تيسر لها الحصول عليه من طعام تطعمه وتسقيه, وتقضي الليل بجانبه؛ فاذا أصبح الصباح عاودت ما فعلته بالأمس.

ولكن هذ الحالة لم تدم لاشمئزاز الناس الذين كانت تقوم بخدمتهم, لعلمهم أنها تقوم على خدمة أيوب المبتلى, وعلى غسل جروحه وتضميد قروحه, فأظهروا لها الامتعاض من خدمتها لهم, ثم طردوها من خدمتهم.

فأصبحت "رحمة" بلا عمل وسدّت منافذ الكسب في وجه رحمة!

وفكرت رحمة وهداها تفكيرها الى أن تذهب مع الصباح الى سوق في ظاهر المدينة, ويدها قابضة على حزمة ملفوف بها شيء يبدو أنها تحرص عليه, وتعول من ورائه على خير كثير.

وبلغت رحمة السوق, واتجهت الى الجانب الذي تعرض فيه حاجات النساء من زينة وعطر وملبس, وفتحت لفافتها بيد مرتعشة, وجلست مع البائعات, وكانت بضاعتها ضفيرة من الخيوط الذهبية الطويلة الناعمة, كانت بالأمس نصف شعرها, فباعتها الى أحد النساء وأخذت ثمنها.

وابتاعت رحمة بثمن شعرها طعاما وشرابا, وعادت الى زوجها تطعمه وتسقيه, فقد كانت برّة وفية بزوجها.

وبعد أن نفد ثمن شعرها ما بقي لها شيء تبيعه.

ولكن أيوب كان على صلابته وقوته, ويئس الشيطان فكر في رحمة فذهب اليها وملأ قلبها باليأس حتى ذهبت الى أيوب تقول له :

حتى متى يعذبك الله, أن المال والعيال والصديق والرفيق, أين شبابك الذاهب وعزك القديم؟

وأجاب أيوب امرأته: لقد سوّل لك الشيطان أمرا.. أتراك تبكين على غرفات وولد مات؟

قالت: لماذا لا تدعو الله أن يزيح بلواك ويشفيك ويكشف حزنك؟

قال أيوب: كم مكثنا في الرخاء؟!!

قال رحمة: ثمانين سنة.

قال أيوب: كم لبثنا في البلاء والمرض؟

قالت سبع سنين.

قال: أستحي أن أطلب من الله رفع بلائي, وما قضيت فيه مدّة رخائي.

لقد بدأ ايمانك يضعف يا رحمة, وضاق بقضاء الله قلبك.. لئن برئت وعادت اليّ القوة لأضربنّك مئة عصا.. وحرام بعد اليوم أن آكل طعاما من يديك أو أشرب شرابا أو أكلفك أمرا.. فاذهبي عني.

وذهبت عنه زوجته وبقي أيوب جسدا صابرا وحيدا, يحتمل ما لا تحتمله الجبال.. وأخيرا فزع أيوب الى الله داعيا متحننا لا متبرما, ودعا الله أن يشفيه.

2. المعجزة

ماذا قال أيوب في دعائه يا ترى؟ لقد قال القرآن الكريم أن أيوب نادى ربه فقال:
{أني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين} الأنبياء 83.

وجاءت الاستجابة سريعة من الله عز وجل, ونزل وحي الله على أيوب:{ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}. 42.

وضرب أيوب الأرض برجله الضعيفة كما أمره الله, فانفجرت عيون من ماء عذب زلال بارد وصاف, فاغتسل أيوب بماء احدى هذه العيون التي فجرها له الله سبحانه عز وجل, فاذا بجلده الدامي المتقرّح يصبح سليما نظيفا جميلا, وشرب أيوب من ماء عين أخرى, فاذا به سليم معافى, قد سرت في جسمه القوّة, ودبّ النشاط..!!

وكانت احدى معجزات اللخ القادر على كل شيء الذي يقول للشيء كن فيكون.

وجلس أيوب وقد استردّ صحته, وعافيته, ورونقه وجماله, في حلة قشيبة من عند الله, فشكر الله على ما ابتلاه, وعلى ما أنعم به عليه.

وكان قد أقسم أم يضرب امرأته مائة ضربة بالعصا عندما يشفى, وها هو قد شفي, وكان الله سبحانه وتعالى يعرف أنه لا يقصد ضرب امرأته, ولكي لا يرجع عن يمينه أو يكذب فيها أمره الله أن يجمع حزمة من أعواد الريحان عددها مائة, ويضرب بها امرأته ضربة واحدة, وبذلك يكون برّ في قسمه ولم يكذب.

رحم الله أيوب العبد الصابر.

{ وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث, انا وجدناه صابرا, نعم العبد انه أوّاب} ص 44.
[SIGPIC][/SIGPIC]
قديم 2011-10-17, 07:27
رقم المشاركة : 9  
jalal77
:: صديق المنتدى ::
افتراضي رد: معجزات الأنبياء
عيسى
الطفل ينطق مرّتين
قال تعالى:{ فناداها من تحتها الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريّا} مريم 24.

قال تعالى:{ فأشارت اليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا} مريم 29.

1. معجزة الحمل والميلاد

تأخرت مريم ابنة عمران عن صاحباتها يوما, فلما ذهبت تملأ جرّتها من الينبوع وجدت نفسها وحيدة, وأحشت وحشة ورهبة, واضطرب جسمها فجأة, فشعرت بالخوف, وأقبلت على الماء مسرعة تردد أدعية الصلاة, واذا شاب قوي, وسيم الطلعة, جميل الهيئة, ينظر اليها كأنما خرج من الأرض.

خافت مريم, وأصابها الذعر, وتوقعت شرا ينزل بها فقالت:{ اني أعود بالرحمن منك ان كنت تقيّا}. مريم 18.

ذلك الشاب الجميل كان جبريل عليه السلام, فلما رأى جبريل عليه السلام انزعاجها قال لها:

{انما أنا رسول ربك اليك لأهب لك غلاما زكيا}. مريم 19.

احتارت مريم في أمره, وخافت أن يمون بشرا أراد بها سوءا, وأرادت الهرب, فهبط عليها الهام من من الله عز وجل, واذا هي واقفة بثبات واطمئنان, ثم رأت صفا من الملائكة عن يمينها, وصفا عن شمالها, فهدأت نفسها, وذهب خوفها.

قالت الملائكة:{ يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين} آل عمران 45.

قالت مريم متوجهة الى الله عز وجل:

{ رب أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} آل عمران47.

قال جبريل عليه السلام:

{ كذلك الله يخلق ما يشاء, اذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون}.

تلقت مريم هذا النبأ العظيم بخوف وفرح, ان الملائكة تبشرها بولد يكون نورا وهدى للناس, ورسولا الى بني اسرائيل, يا له من شرف عظيم.

رفعت مريم رضوان الله عليها رأسها أمام جبريل عليه السلام وقالت: هأنذا أمة الله. ليكن ما يريد الله.

تقدّم جبريل عليه السلام, ونفخ في جيبها, ثم اختفى عنها مع الملائكة بعد أن وهبها وديعة القدّوس الأعلى.

أحيطت مريم العذراء بسر هائل, لم تعهده امرأة سواها من قبل فالجنين يتحرّك في بطنها, وأمرها صائر الى الفضيحة, وهي العذراء الصالحة التي عاشت عمرها طاهرة نقيّة.

لم تطق مريم البقاء بحالتها هذه في الناصرة, فأسرعت بالعودة الى جبال حبرون, لتكشف سرّها الى مثلها, تثق فيها, وتطمئن اليها, وتلاقت مريم مع خالتها "أليصابات" فألقت اليها بسرّها الرهيب و"أليصابات" خالة مريم وامرأة زكريا عليه السلام.

كانت أليصابات زوجة زكريا قد حملت هي أيضا, بعد أن استجاب الله لدعاء زوجها, فروت كل منهما قصتها وتحدّثتا بغرابة حملهما, وكانت "أليصابات" العجوز قد حملت بيحيى عليه السلام, ومكثت مريم وخالتها أليصابات معا ثلاثة أشهر في هذا البيت الهادئ على سفح الجبل وقد سمعت مريم وأليصابات وهما نائمتان على سرير واحد نداء سماويا ألهمهما أن الطفل عيسى ويحيى سيشتركان معا في اتمام القصد الالهي, ونزل هذا الخبر على قلبيهما بردا وسلاما.

وعادت العذراء المباركة الى الناصرة, وهي الفتاة الباسمة المشرقة, فقد أصبحت تعيش في عالم جديد أكثر اتصالا بالله, تفكر طويلا بفرح ممزوج بالخوف.

انتفخ بطنها, وبدأت تفطن الى الريبة التي تخامر قلوب المحيطين بها, فكانت تفكر في ذلك طويلا, وأخيرا استقرّ عزمها على أن تكشف سرّها الى ابن عمّها يوسف النجار, وكان أشد الناس برّا بها وحرصا عليها, فأرسلت له وألقت اليه بسرها الذي كان حملا ثقيلا عليها.

وقع هذا الخبر على يوسف, وقوع الصاعقة, فشك في أمرها, وهو أعلم الناس بعفتها وطهارتها, وعاد الى منزله, وأوى الى فراشه شارد الفكر مضطرب الفؤاد, فطار النوم من عينيه, وعصر الحزن قلبه.

وفي هدوء الليل هبط الوحي الالهي على ذلك الرجل المعذب والقلب الجريح, وأنبأه الحقيقة العظمى, فقام من نومه, وقد آمن بحقيقة مريم العذراء, وأسرع اليها في منزل عمتها ليعتذر لها عن ريبته وشكه فيها, ثم عرض عليها أن يضمها في بيته ليستر أمرها, ويحظى بشرف رعايتها كما يرعى الزوج زوجته.

أذعنت مريم لالحاح عمتها فقبلت هذا العرض وذهبت الى بيت يوسف, فأتمّت فيه مدّة الحمل.

لما صارت في الشهر التاسع, ورأى يوسف سوء حالتها, أشفق عليها, وبذل المستحيل ليخفي أمرها, ويمنع سوء القالة عنها, فقرّر السفر بها لتضع مولودها, بعيدة عن الناصرة وأهلها.

2. الطريق الى بيت لحم

أمر القيصر, وهو ملك بلاد الشام في ذلك الوقت, أمر بحصر عدد السكان, وكتابة أسمائهم في سجلات, وهدّد كل من يتخلف عن تدوين اسمه, وأسماء عائلته بالعقاب الشديد.

فسافر الناس من الشمال والجنوب الى القدس, لتدوين أسمائهم, فكنت ترى الطريق مزدحمة بالمسافرين.

مالت الشمس الى الغرب, واذا وقعت العين على ركب المسافرين, الذين جاؤوا من بلاد الجليل في الشمال وقد بدا عليهم أثر التعب, وأضناهم السفر الطويل تجد من بين هؤلاء المسافرين فتاة قروية هي مريم العذراء على دابة وقد أمسك بمقودها رجل هو يوسف النجار الذي كان يبدي اهتماما عظيما بها.

جاءا معا الى القدس, ليقيّدا اسميهما في سجلات المحاكم, ولعلهما أرادا الاختفاء عن قومها خشية الفضيحة, وقت الولادة.

اقترب الركب المبارك من "بيت لحم" وهي مدينة فلسطينية, وشعرت مريم بمقدمات الوضع, فمال يوسف النجار بها الى بيت لحم, وأنزلها بالقرب من كهف كبير, وقد استعمله الرعاة من قديم الزمان مربطا للماشية والأغنام, فجلست مريم بجوار جذع نخلة, وذهب ابن عمها الى القدس, ليستأجر لها مكانا خاليا, وما كان هناك مكان يصلح لراحة حبلى في شهرها الأخير, لكثرة الوافدين على المدينة في هذا الوقت.

فما كان منه الا أن أخذها الى مكان خال بجوار نخلة يمر من تحتها جدول صغير من الماء.

3. الميلاد والمعجزة

كانت مريم العذراء وحيجة هناك بجوار النخلة, انها نخلة معمّرة, وأمامها جدول صغير من الماء العذب يسري ماؤه, فقاست مريم حرارة الوحدة وقت الولادة, وأجاءها المخاض الى جذع النخلة, فوضعت ابنها البكر, وقامت الى الجدول وغسلته وقمّطته, ثم اتجهت به الى الكهف, وفي هذا المكان الهادئ نام المسيح نومته الأولى, ودخل الى العالم بهذه الصورة المتواضعة كما يدخل أي مولود عادي من عامة الناس, وقد استقبلته السماء بمظاهر الترحيب والبشر, فشع نور على مهد هذا الوليد المبارك, وكانت أمه بعد هذا المجهود الشاق قد استسلمت لضعف ألمّ بها, فرأت مظاهر الحفاوة والتكريم لهذا المولود, وسمعت ترتيل الملائكة الذين جاؤوا يحفون بالمولود الجديد, يسبّحون ويهللون ويهتفون بالتحية لمولده, وشاهدت هذا النور الذي انبثق من السماء الى الأرض, يعلن لملايين البشر فجر الخلاص من الظلم والاستبداد, وظلام الجهل والضلال.

أفاقت مريم من ضعفها, وعاد اليها نشاطها, فاذا طفلها ينظر اليها نظرة العطف والتساؤل, واذا قلبها مفعم بالذكريات الأليمة, والصور البشعة, واذا هي نهب للتفكير في ساعة لقاء أهلها وذويها.

كيف ترد على التهم التي ستنهال عليها؟! ظلت تفكّر في ذلك كثيرا, فانتابها موجة من الضيق, ونكست رأسها تحاول ابعاد هذه الوساوس عنها. قالت:{ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيّا} يا الهي؛ أنت عليم بحالي فألهمني الرشاد, وخلصني مما أقاسيه.

كانت مريم حقا في حيرة شديدة, لا تستطيع البقاء بمولودها في هذا المكان بدون طعام, ولا تستطيع أن تعود به الى ذويها في الناصرة, ولا الى أقربائها في بيت لحم, فيرموها بالسوء, ويقذفوها بالتهم أشكالا وألوانا.

أظلمت الدنيا في عينها, وساءت الحياة أمامهما, وبينما هي في غمرة من ذلك سمعت صوتا يناديها:

يا مريم, لاتحزني!! قد جعل ربك تحتك ماء سريّا وهزي اليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي من الرطب, واشربي من الماء, وتوكلي بعد ذلك على الله فهو نعم المولى, ونعم النصير.

سمعا مريم هذا النداء السماوي يتردد على أذنها, فكان بردا وسلاما على قلبها, أعاد اليها الأمن والثقة, وأذهب عنها الخوف والاضطراب فقامت مريم الى الجدول وشربت, وهزت بجذع النخلة وجمعت ما وقع منها من رطب, ثم أقبلت على الطفل وأشرق وجهها بمحياه, فانزاح عنها الكابوس الثقيل, وكانت قد سمعت حديث الناس حول ظهور النجم الأكبر, وتساؤلهم عن آيات ظهور المسيح المنتظر الذي بشرت به التوراة.

وبينما هي كذلك جاء يوسف النجار اليها في لهفة وحسرة, فوجدها في أتم صحة, تغسل الخرق, وتنشرها على أشعة الشمس, وقد حماها الله من كل سوء, فلما نظر اليها يستفسر عن حالها أشارت الى المولود, فأسرع يوسف اليه, ووقف برهة يتأمل ذلك الوجه المشرق الجميل, ونحن نتصور ما يجول في رأس هذا الرجل المؤمن من الأفكار, بعدما رأى من آيات الله, وما سمع من حديث القوم, فنعرف السر فيما فعله بعد ذلك, حينما وهب كل وقته,وبذل كل جهده لرعاية هذا الوليد الخارق لناموس الحياة وأمه السيّدة العذراء.

ونتصوره أيضا يعود الى مريم, وقد نكّس رأسه هيبة واجلالا ليسألها عملا يؤديه, أو خدمة يقدمها.

حقا!؟ ان يوسف النجار كان رجلاصالحا تقيا نبيلا, كشف الله عن بصيرته, وألهمه الحقيقة والصواب.

ونحن نتطور مريم تقضي مدة النفاس في هذا المكان الخلائي الهادئ, فنجدها هانئة به, وقد راضت نفسها على الاقامة فيه, وكان يوسف النجار يذرع الأرض كل يوم ويقطع طريقها بين الكهف الذي ولد فيه المسيح وبين القدس, حيث يقضي حوائجها, ويشتري لها الخبز والطعام, فاذا عاد من المدينة وجد تمرا كثيرا, جاءت به هذه النخلة التي شبّ عمرها, واخضرّت أوراقها, بعد أن أصابها الكبر ونخرها السوس.

انتهت مدة نفاس مريم العذراء, وحان موعد الرحيل الى المدينة, فعاود مريم القلق, وانتابها الوسواس من جديد.

كان يوسف يحزم الأمتعة استعدادا للرحيل, ومريم غارقة في همومها ودعائها تطلب العون من الله, فسمعت هاتفا يهتف بها:

يا مريم؛ صومي اليوم عن الكلام, فلا تكلمي أحد من الناس, والله يتولاك برعايته.

كان الهاتف بهذا الأمر هو جبريل عليه السلام, فصدعت للأمر, ونذرت الصوم قالت:

{اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيّا}, مريم 26.

ولما فرغ يوسف النجار من حزم الأمتعة, حملها على دابته ثم نظر الى مريم, ودعاها للركوب, فركبت دون أن تحرك شفتيها بكلمة واحدة.

اتجهت مريم بالطفل الى جبال حبرون, وجاءت به الى قومها تحمله, قالوا:

يا مريم؛ لقد جئت شيئا فريّا, وأمرا منكرا!؟

سكتت مريم ولم تقل شيئا للدفاع عن نفسها, فأيقنوا أنها ارتكبت خطيئة, وقالوا:

{ يا أخت هارون ما كان امرأ سوء وما كانت أمك بغيّا} مريم 28.

تكلمي يا مريم ودافعي عن نفسك. كيف جئت بهذا الغلام؟!

كانت مريم صائمة لا تستطيع الكلام, فلما ألحوا عليها وكثر كلامهم وسؤالهم لها, اتخذت قرارا صامتا أصابهم الدهشة الشديدة!!

كانت مريم صائمة عن الكلام, لا تستطيع الكلام, فلما ألحوا عليها وكثر سؤالهم لها: أشارت الى الطفل ليكلموه, انه أمر عجيب, كيف تطلب مريم شيئا خارقا لم نعتد عليه, انها تطلب معجزة, تريد أن يتكلم هذا الطفل الملفوف في قطعة من القماش.

قالوا في دهشة واستغراب:{ كيف نكلم من كان في المهد صبيا}.

كيف نكلم هذا الطفل الذي يكفينا سماع صوت بكائه بصعوبة شديدة من ضعفه وطفولته المبكرة.

لقد ولد منذ أيام قليلة, فهل يعقل انسان هذا الذي تريده مريم, انها تريد المستحيل.

ولكن مريم كانت بحاجة الى معجزة كي يصدقها الناس, اذ كيف يصدق الناس أن طفلا أنجب بغير أب, وفي هذا الأمر اتهام للعرض والشرف, حتى أنهم قالوا ان أمها كانت طاهرة شريفة وأبوها لم يكن يوما من الأيام سيء الخلق حتى تأتي هي بهذا الفعل المشين.

انصرفت مشيئة الله أن يكون الرد معجزة, لأن الاقناع في مثل هذه المواقف يحتاج الى معجزات ومعجزات, والمعجزة والشيء الخارق هنا أن يعتدل الطفل في فراشه ويعرف الناس بنفسه ويدافع عن أمه وما أثير خولها من عبارات الشك والطعن في شرفها وعرضها.

تكلم عيسى المسيح عليه السلام, بعد أن قالوا:{ كيف نكلم من كان في المهد صبيا}.

قال عيسى وهو ملفوف في رباط الأطفال وملفوف بخرق الفراش.. قال:

{ اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا* وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا* وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيّا* والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا* ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} مريم 30-34.

وكان حديثه في المهد معجزة عظيمة.
[SIGPIC][/SIGPIC]
قديم 2011-10-17, 07:31
رقم المشاركة : 10  
jalal77
:: صديق المنتدى ::
افتراضي رد: معجزات الأنبياء
النبي محمد صلى الله عليه وسلم
معجزات مع النبات والحيوان والجماد
1. انشقاق القمر

قال تعالى:{ اقتربت الساعة وانشق القمر* وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر* وكذبوا واتبعوا أهواءهم, وكل أمر مستقر*} القمر 1-3.

كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلى الأنبياء جميعا, أن يتحملوا تبعات رسالاتهم, ومن تبعات هذه الرسالات ومسؤولياتهت الشاقة هو جدل الكفار وطرحهم أسئلة تحتاج الى اعجاز من الله سبحانه عز وجل, وكم أعطى اله عز وجل لأنبيائه من المعجزات والآيات, ومنهم موسى عليه السلام, فقد شق له البحر, وجعل عصاه ثعبانا ضخما يبطل سحر السحرة, ويزعج فرعون ومن معه, وجعل له الجبل يطير في الهواء.. وصالح الذي أتاه الناقة.. وغير ذلك.. وهنا نجد أن القرآن قد أورد كل هذه المعجزات في قصصه.

ومما روي أن أهل مكة شأنهم شأن غيرهم من الأمم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية أو معجزة, فأراهم عليه السلام القمر شقين!!

قال رجل اسمه مطعم من أهل مكة: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين أو جزئين جزء على هذا الجبل, وجزء على هذا الجبل.

ترى ماذا قال الكفار عن هذه المعجزة العظيمة؟ أجعلتهم يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, أم يصرّون على كفرهم؟ لم يصروا على كفرهم فقط بل انهم اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا حجتهم الواهية, قالوا: ان محمدا قد سحرنا!! ظنوا أن هذا سحر, ورفضت عقولهم الايمان فنزل قول الله عز وجل:{ اقتربت الساعة وانشق القمر}.

2.الدعاء ونزول المطر

كانت مكة بيئة صحراوية لا ماء فيها ولا أنهار وتعتمد اعتمادا كبيراعلى المطر, وكذلك كانت المدينة الا أن المدينة كان بها بعض الآبار لكنها لم تكن تكفي الا لشرب الناس فقط, ومن هذه الآبار "بئر حاء" الذي اشتراه أبو طلحة الأنصاري وأعطاه هديّة للمسلمين, وذلك عندما نزلت الآية الكريمة التي تقول:{ لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}.

ومرت بالمدينة أيام أصاب المسلمين قحط شديد, بسبب قلة المطر, فدخل رجل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يخطب في الناس, فظل الرجل يمشي حتى جاء في مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم, وقال للرسول: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل, فادع لنا الله يغيثنا.

لقد طلب الرجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغوث بالدعاء الى أن ينزل الله المطر عليهم.

رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال:

"اللهم اسقنا, اللهم ايسقنا, اللهم اسقنا". رواه البخاري.

كان أنس بن مالك في المسجد, مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة, فقال أنس:( والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيء, وما بيننا جبل سلع, وهو جبل داخل المدينة, فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء انتشرت, ثم أمطرت, والله ما رأينا الشمس ستة أيام) ومرت الأيام الستة وفي يوم الجمعة التالي دخل رجل آخر من الباب نفسه الذي دخل منه الرجل في الجمعة السابقة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس وفقال الرجل للرسول:

يا رسول الله هلكت الأموال, وانقطعت السبل ادع الله أن يمسكها.

أي أن الأمطار, من شدتها, قطعت الطرق, وبدأت تؤذي الماشية والزرع, فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:" اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والجبال, ومنابت الشجر" تاريخ الطبري ج3 ص 71, سيرة ابن هشام ج3 ص 355, السيرة الحلبية ج3 ص 10.

والآكام التي يقصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث هي التلال الصغيرة المرتفعة. وما ان انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الدعاء المبارك حتى انقطع المطر وخرج الناس يمشون في الشمس.

وكانت هذه معجزة نزول المطر بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3.الماء ينبع من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير الذي يدل على صدق نبوته ورسالته, فالانسان يعرف دائما ويعقل أن الماء له منابع منها الآبار والأنهار, وفي هذه المعجزة يروي أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان الماء كان ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال أنس رضي الله عنه:( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد حانت صلاة العصر, والتمس الناس الماء للوضوء, فلم يجدوه, وكان عددهم قرابة ثلاثمئة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتي رسول الله بماء للوضوء في اناء, فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الاناء, وأمر الناس أن يتوضؤوا).

يقول أنس:(فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه, فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم) فسأل رجل أنسا راوي القصة فقال: كم كنتم يا أنس؟

قال أنس زهاء ثلاثمئة رجل.

هذه معجزة ظاهرة, لا يستطيع بشر أن يأتي بها, وقد اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي معجزة تدل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم, اذ شهدها الناس في مكان عام وبعدد كبير بلغ الثلاثمئة رجل تقريبا.

1. بئر الحديبية وفيضان الماء

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة لزيارة بيت الله الحرام, وكان ذلك في السنة السادسة من الهجرة, وكان رسول الله لا يبغي حربا ولا قتالا ولكنه دعا المسلمين للنصرة والنجدة ودعا من حوله من قبائل الأعراب خشية أن تعترضه قريش بحرب, أو يصدوه عن البيت , فتثاقل عنه الأعراب وقبائلهم, فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار, ومن لحق به من العرب ليس معهم من السلاح الا السيوف في أغمادها وساق معه الهدي, وهو الماشية التي أراد اهداءها لمكة من النعم وأحرم بنيّة العمرة وهي الطواف والسعي بين الصفا والمروة فقط.

والفرق بين الحج والعمرة أن العمرة تجوز للانسان في السنة كلها, بينما الحج له وقت معروف من السنة, مع زيادة بعض الأعمال.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأقصى الحديبية, وهي مكان أو موضع بينه وبين مكة مسافة قريبة, سميّت مرحلة واحدة من السير.

ولما علمت قريش اعترضت على دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ومنعته من ذلك وجاءت الأخبار تقول أن كفار قريش قتلوا الرجال الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستئذان في دخول مكة ومن بين هؤلاء عثمان بن عفان, فبايع المسلمون الرسول صلى الله عليه وسلم, عندما نادى المنادي قائلا: أيها الناس, البيعة البيعة! فثاروا الى رسول الله, وهو تحت الشجرة فبايعوه على القتال حتى النصر, ولذلك فقد أطلق عليهم أهل بيعة الرضوان وأنزل الله فيهم قوله تعالى:{ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} الفتح 18.

وفي هذا اليوم تاعظيم يوم الحديبية, حدثت معجزة عظيمة من كعجزات النبي صلى الله عليه وسلم, فقد كان بالحديبية بئر ماء استطاع أصحاب أهل بيعة الرضوان وكان عددهم ألفا وأربعمائة رجل, استطاعوا أن ينزحوا الماء من البئر حتى لم يبق فيها ما يملأ كأس ماء واحدة, ولذلك فقد خاف الناس العطش من قلة الماء, فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء عليه السلام, وجلس على حافة البئر, فطلب قليلا من الماء فجيء به الى الرسول صلى الله عليه وسلم فتمضمض منه, ومجّ ما تمضمض به في البئر وأصحابه ينظرون.

وما هي الا لحظات حتى بدأ البئر يضخ الماء فيعلو ويعلو فأخذ الناس يسقون الابل والماشية ويشربون هم ويملؤون أوانيهم بالماء, وأدوات حمل الماء عندهم, ونحن نعرف أن عددهم كان ألأفا وأربعمائة رجل, وهم من الصالحين ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه عندما أطاعوا رسوله الكريم وبايعوه على التضحية بأرواحهم في سبيل دينهم ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وكانت هذه معجزة وآية نبوية صادقة تدل على مكانة رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه عند ربه, لأنه رسول الله حقا وصدقا..

2. انقياد الشجر له عليه السلام

جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري صحابي مشهور يعرفه المسلمون جيدا, كان صادقا وفيا لدينه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وها نحن نسمع هذه المعجزة التي رواها جابر بن عبدالله في صحيح البخاري ومسند أحمد, ترى ماذا قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه؟

قال: سرنا مع النبي صلى اله عليه وسلم حتى نزلنا واديا واسعا رحبا, فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته, فسرت خلفه, واتتبعته باداوة فيها ماء, أو اناء فيه ماء, فنظر عليه السلام فلم ير شيئا يستتر به واذا شجرتان بشاطئ الوادي, فانطلق عليه الصلاة والسلام الى أحدهما فأخذ ببعض أغصانها وقال:"انقادي عليّ باذن الله" فانقادت معه كالبعير لبمخشوش ( أي الملجم بعود في عظم الأنف لينقاد به البعير) الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بعضا من أغصانها وقال:" انقادي عليّ باذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى اذا كان بالمنتصف فيما بينهما لاءم بينهما, وجمع بينهما أي جمعهما, وقال عليه الصلاة والسلام:"التئما عليّ باذن الله" فالتأمتا.

قال جابر: فخرجت أعدو بشدّة مخافة أن يحس بقربي فيبعد, فجلست أحدث نفسي فحانت مني التفاتة, فاذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل واذا الشجرتان افترقتا, وقامت كل واحدة منهما على ساق...

هده هي احدى معجزات النبي الخارقة للعادة التي لا تكون الا لنبي من الأنبياء عليهم السلام. فالشجرة استجابت وأطاعت أمر رسول الله, انه أمر خارق للعادة.

3. حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتاد حين يخطب في المسلمين أن يخطب على جذع نخلة.. وذات يوم جاءت امرأة من الأنصار وكان لها غلام يعمل نجارا.

فقالت يا رسول الله ان لي غلاما نجارا افأمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه؟

قال: بلى.

فصنع له الغلام منبرا, غلما كان يوم الجمعة وقف رسول الله يخطب على المنبر الجديد المصنوع من الخشب فسمع عليه السلام جذع النخلة يئن كما يئن الصبي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" ان هذا بكى لما فقد من الذكر".

وجاءت رواية أخرى لهذه القصة في صحيح البخاري تقول: فصاحت النخلة (جذع النخلة) صياح الصبي ثم نزل صلى الله عليه وسلم فضمه اليه يئن أنين الصبي الذي يسكن.

قال صلى الله عليه وسلم:" كانت تبكي (النخلة) على ما كانت تسمع من الذكر عندها".
اذن فحنين الجذع شوقا الى سماع الذكر وتألما لفراق الحبيب الذي كان يخطب اليه واقفا عليه وهو جماد لا روح له ولا عقل في ظاهر الأمر.

هذه معجزة بكل المقاييس تخالف ما اتفق عليه أن الجماد لا يتحرّك ولا يشعر, وفي الحقيقة فانها كائنات تسبّح بحمد الله عز وجل, وهي من الكائنات التي لا نسمع تسبيحها. بل سمعها الأنبياء بمعجزة وآية من الله عز وجل.

واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بمعجزة كهذه لا يقدر عليها بشر مثله, ولم تؤت لأحد من البشر الذين هو منهم, فان ذلك دليل على صدق وعظم نبوته عليه السلام.

4. سلام الشجر وتسبيح الحصى في يديه
انحصرت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر الصديق رضي الله عنه, والفاروق عمر رضي الله عنه وعثمان ذي النورين رضي الله عنه.

وفي هذه القصة المعجزة التي رواها الحافظ أبي بكر البيهقي رواه أحمد رضي الله تعالى عنهما عن سويد بن يزيد السلمي قال: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه يقول: لا أذكر عثمان الا بخير بعد شيء رأيته, وبيّن ذلك الخبر الذي رآه فقال:

كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست اليه, فجاء أبو بكر فسلم عليه ثم جلس عن يمين رسول الله, فجاء عمر وجلس عن يمين أبي بكر, ثم جاء عثمان فجلس عن يمين عمر, وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فأخذهن في كفه فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين جذع النخل, ثم وضعهن فخرسن أي سكتن, ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل, ثم وضعهن فخرسن, ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين جذع النخل, ثم وضعهن فخرسن, ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل, ثم وضعهن فخرسن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هذه خلافة النبوة".

فهذه معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ذات شقين أولهما: أن الحصى يسبّح في أيدي الخلفاء الراشدين. والثاني أن الخلافة فعلا انحصرت في أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وذي النورين عثمان ووصلت الى علي رضي الله عنهم.

5. شكوى البعير للرسول صلى الله عليه وسلم
كان الأنصار في المدينة يستخرجون الماء من البئر بواسطة الابل فانظر الى هذه القصة التي يرويها أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

كان أهل بيت من الأنصار لهم يستخرجون الماء من البئر عليه, انه استصعب عليهم فمنعهم من استخدامه أي منعهم من استخدامه في هذا العمل.

فجاء الأنصار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: انه كان لنا جمل نستخرج عليه الماء من البئر, وانه استصعب علينا وعصانا ومنعنا أن نكلفه بهذا العمل وقد عطش الزرع والنخيل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا" فقاموا فدخل البستان الذي فيه البعير أو المكان المحاط بالجدران الذي يأوي اليه العير في وقت راحته, وكان الجمل في ناحية, فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, فقال الأنصار: انه صار مثل الذي به داء الكلب, أي أنه مسعور, وانا نخاف صولته عليك يا رسول الله.

فقال عليه الصلاة والسلام:"ليس عليّ منه بأس" أي اني لا أخاف منه, فلما نظر الجمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه, فأخذ رسول الله بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل.

فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل, تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك فقال صلى الله عليه وسلم:" لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها".

وجاءت قصة أخرى في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوما مع بعض أصحابه حائطا من حيطان الأنصار, فاذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه, فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته وذفراه فسكن وهدأ.

فقال صلى الله عليه وسلم:" من صاحب الجمل؟"

فجاء فتى من الأنصار قال: هو لي يا رسول الله.

فقال له عليه الصلاة والسلام:" أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكها الله لك؟ انه شكا اليّ أنك تجيعه وتدئبه".

أي أنك تواصل عليه العمل ليل نهار دون انقطاع.

هكذا كانت معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم, انها آية من آيات النبوة ومعجزة من عظيم معجزاتها التي تثبت كل يوم وفي كل زمان أن رسالة محمد حق وأنه رسول الله صدقا وحقا.
[SIGPIC][/SIGPIC]
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


معجزات الأنبياء


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:09
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc