لأن الإنسان حُبِيَ بالقدرة على التكلُّم دون عن غيره من سائر المخلوقات، لطالما تحيَّر علماء التطور حول اللغة إلى أن اكتُشف جين «إف أو إكس بي2» في تسعينيات القرن الماضي، في إحدى العائلات البريطانية التي كان يعاني بعض أفرادها من صعوبات بالغة في التحدث؛ نتيجة لطفرة بهذا الجين. ومن هنا بدأ العلماء يدرسون جذور اللغة في جيناتنا. وهذا الجين في حد ذاته ليس فريدًا؛ فهناك نسخة منه عند الشمبانزي، لكن سلالة الشمبانزي والإنسان اختلفتا اختلافًا جذريًّا منذ حوالي 6 ملايين سنة، فقد طرأت طفرتان رئيسيتان على نسخة جين الإنسان؛ يُعتقد أنهما تلعبان دورًا في تمتع الإنسان بالقدرة الفريدة على التكلم وفهم الحديث. وفي دراسة سابقة — قام بها مجموعة من العلماء الألمانيين — وُضع الجين البشري في الفئران، فأخذت تُصدر صيحات متكررة ومعقدة؛ مما أوحى أن الطفرات التي طرأت على الجين البشري ربما لعبت دورًا في تطور حديثٍ أكثر تعقيدًا. لكن في دراسة جديدة — بمعهد ماساتشوستس للتقنية — أراد العلماء بحث ما الذي يمكن أن تضيفه هذه الجينات البشرية على طريقة تعلُّم الفئران التي عُدِّلت جيناتها لتحتوي على هذا الجين البشري. ولاختبار القدرة على التعلم عند الفئران، استخدم العلماء متاهة على شكل حرف تي، وبنهايتها قطعة من الشوكولاتة ومعالم مرئية لترشد الفئران، وكان ينبغي على الفئران أن تتذكر أنه عليها الاستدارة في اتجاه معين للعثور على المكافأة، ومع التكرار أخذت الفئران تقوم بهذا بدون وعي؛ وبهذا اتبعت نفس الخطوات التي يتبعها الإنسان عند التعلم؛ فالإنسان يتعلم كل خطوة على حدة في البداية بوعي تام، ثم مع التَّكرار تصير المهمة عادة، وتُمارَس بالخبرة بدون وعي؛ كتعلم قيادة الدراجات على سبيل المثال. ووجد العلماء أن الفئران التي عُدِّلت جيناتها لتحتوي على الجين البشري تعلمت إيجاد طرق جديدة للوصول إلى المكافأة على نحو أسرع من الفئران العادية؛ إذ تعلمت هذه المهمة في 7 أيام، في حين استغرقت الفئران العادية 11 يومًا لأداء نفس المهمة. ولا يتَّضح بعدُ كيف حدث التحوُّل إلى أداء المهمة بشكل تلقائي بدون وعي، لكن هذه المرونة المعرفية في التحوُّل بين نوعين من التعلم قد تساعد في تفسير دور الجين في التحدث واللغة؛ فالأطفال أنفسهم يحاكون في البداية الكلمات التي يسمعونها، ثم بعد ذلك يتحدثون بشكل تلقائي. ومن الأمور التي أدهشت العلماء أن الجين البشري حسَّن من سلوكيات الفئران بدلًا من إحداث خلل في نظامها الجيني.