سبب هذا السؤال ما مَرَّ عليَّ من اختلاف مع أحد الإخوة في إعرابه للفظ الجلالة في قول الله تعالى:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65]
إذ أنه أعرب لفظ الجلالة [بدل اشتمال] فصدمني ذلك ؛
إذ لا يمكن ولا يكون ذلك قط ، حاشاه أن يشتمل عليه شيء.
ورجعتُ إلى كتب الأعاريب فوجدتُ بعضهم قد أعرب لفظ الجلالة بدلا ولم يُسَمِّ البدل، وممن عَدَّ لفظ الجلالة بدلا كوجه من وجوه الإعراب:
- أبو البقاء العبكري في التبيان في إعراب القرآن
- أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن
- أحمد عبيد الدعاس- أحمد محمد حميدان - إسماعيل محمود القاسم في إعراب القرآن الكريم.
- محمود صافي في الجدول في إعراب القرآن.
ولفت نظري أنهم لم يسموا البدل، فلم يذكروا: أهو بدل مطابق أم بعض أم اشتمال؟ لكننا يمكن استنتاج نوع البدل بحسب تأويلهم هم وإعرابهم، فعلى قولهم البدل يكون بدل بعض من كل، فيكون لفظ الجلالة [الله] بدل بعض من اسم الموصول [مَنْ].
فهل يجوز ذلك؟
والجواب بلا شك لا يجوز.
وأرى أن في ذلك تناقض يدفع دفعا إلى الاضطراب في القلب والفكر، إذ كيف تعرب لفظ الجلالة صراحة [بدلا بعض من شيء ما أو من أشياء ما] ثم تطلب من المستمع عدم التوهم؟!
إن إعراب لفظ الجلالة في الآية [بدل] دافع شديد السوء للتوهم، هو مَدْعَاةُ حُلُول الله - سبحانه - في المكان ، ومدعاة مماثلة الله - سبحانه - للخلائق.
وعلى هذا فلا يصح بجلال الله إعراب لفظ الجلال في الآية [بدل بعض أو بدل اشتمال].
وقد ذهب بعضهم لتأويل اسم الموصول وما بعده [مَنْ في السموات والأرض] بلفظ [أحد] فيكون التقدير : [لايعلم أحد الغيب إلا الله]، ويكون لفظ الجلالة هنا بدل مطابق، ولا بأس بذلك، لكن قد يستبعد ويستكثر البعض تأويل [من في السموات والأرض] بلفظ [أحد] ،
ولذلك فإن أفضل وأولى ما يليق بالمعنى ويوافق الإعراب هو ما ذكره محي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه إذ قال:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65]
" شغلت هذه الآية المفسرين والمعربين والنحاة وخاضوا فيها كثيرا وسنختار هنا أسهل أقوالهم"
وذكر وجهين:
الوجه الأول:[يعلم] فعل مضارع ، و[مَنْ] اسم موصول فاعل يعلم ، [وفي السموات والأرض] صلة [مَنْ]، أي: لا يعلم الذي ثبت واستقر وسكن في السموات والأرض، و[الغيب] مفعول به ، و[إلا] أداة استثناء بمعنى لكن إشارة إلى أن الاستثناء منقطع، و[الله] مبتدأ خبره محذوف تقديره يعلم.
الوجه الثاني قال:ويصح أن تكون [مَنْ] في محل نصب مفعول به، و[الغيب] بدل اشتمال منها، و[الله] فاعل [يعلم] ، والمعنى: قل لا يعلم الأشياء التي تحدث في السموات والأرض الغائبة عنا إلا الله تعالى.
والوجه الثاني عندي أوفق للمعنى وأوضح وأدل على أن لفظ الجلالة [الله] هو الفاعل ؛ إذ أن الفعل يقع عليه وقوعا جليا رغم تأخر الفاعل [الله] في الكلام.