قديم 2014-10-12, 17:13
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية iyad05
iyad05
:: سوفت ماسي ::
افتراضي المعلّم ومهام التربية على المواطنة البيئيّة -1-ـ عبدالله عطيّة*

المعلّم ومهام التربية على المواطنة البيئيّة -1-ـ عبدالله عطيّة*




التربية مشغل مجتمعيّ حسّاس ودقيق ،وحساسيته مردّها انتظارات المجموعة الوطنيّة منه في كلّ قطر، ولذلك فالاستثمار في المعرفة اليوم رهانٌ تتنافس من أجله الأمم والشعوب ،ويُباهي بإنجازاته بعضُها البعضَ، فضلا على أنّ مقياس رقيّ المجتمعات أضحى تربويّا ومعرفيّا. فالتربية مدرسيّة مثلما هو معلوم ،والمدرسة هي المؤسّسة المُناط بعهدتها وظائف ثلاث :الوظيفة التربويّة والوظيفة التعليميّة والوظيفة التأهيليّة ،أمّا عن الوظيفة الأولى فتتمثل في "تربية الناشئة على الأخلاق الحميدة والسّلوك القويم وروح المسؤوليّة والمبادرة ،وهي تضطلع على هذا الأساس :
- بتنمية الحسّ المدنيّ لدى الناشئة وتربيتهم على قيم المواطنة...
- بتنمية شخصيّة الفرد بكلّ أبعادها الخلقيّة والوجدانيّة والعقليّة والبدنيّة..
- بتنشئة التلميذ على احترام القيم الجماعيّة وقواعد العيش معا.."

أمّا الوظيفة التعليميّة للمدرسة فتظلّ من أدقّ الوظائف التي تعمل من أجلها، وتتمثل بالخصوص في "ضمان تعليم جيّد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامّة ومعارف نظريّة وعمليّة ،ويمكّن من تنمية مواهب المتعلّمين وتطوير قدراتهم على التعلّم الذاتيّ والانخراط في مجتمع المعرفة..." ولعلّ الوظيفة الثالثة للمدرسة هي بنفس أهمّية الوظيفتين الأٌوليين ،فهي "تسعى إلى تنمية مهارات وكفايات لدى خرّيجيها حسب سنّ التلميذ والمرحلة التعليميّة، وتتولّى مؤسّسات التكوين المهنيّ والتعليم العالي تطوير هذه الكفايات والمهارات لاحقا..." (1) وفي انسجام كلّيّ مع هذا المدخل النّظري الذي حدّد وظائف المدرسة في النظام التربويّ التونسيّ قدّم تقرير اليونسكو المسمّى "التعليم ذلك الكنز المكنون" ، الذي تمّ اعتماده سنة 1995 ، تصوّره لدور المؤسّسة التربويّة في القرن الحادي والعشرين مستندا إلى أربعة مبادئ أساسيّة:
- التعلّم للمعرفة.
- التعلّم للعمل.
- التعلّم للعيش مع الآخرين ، - التعلّم ليكون المرء.

فالتعلّم للمعرفة يمثّل المدخل الرئيسيّ لباقي التعلّمات ،المعرفة من حيث كونها جديدا تؤثِّث به المدرسة المتعلّمين وتفتح به عقولهم وبصائرهم على منجزات الفكر البشريّ، وتصلهم بجذورهم الحضاريّة والثقافيّة ،وتجنّبهم الكثير من "التوتّرات" التي تسبّبها مرحلتهم العمريّة الحرجة من ناحية، وتحدّيات العولمة بمختلف عناوينها: القيميّة والتقنيّة والعلميّة والاقتصاديّة والبيئيّة من ناحية ثانية... فالنُظُم التربويّة اليوم قَدَرُها أن تواكب التحوّلات العميقة التي تطرأ في كلّ لحظة وحين على تركيبة المجتمعات وبنية المعرفة وأساليب العمل ووسائل الإنتاج ،والمؤسّسة التربويّة ،في مجتمعاتنا النامية ،كي تنهض بوظيفتها على الوجه المطلوب مطالبة بأن تعزف عن التقليد ،وتنشد في المقابل التجديد والاشتغال على القضايا التي تشغل بال الناشئة سواء في مستوى دوائر حياتهم الخاصّة أو في مستوى أعمّ ،أي باعتبارهم مواطنين سيجدون أنفسهم أمام عديد التحدّيات الدوليّة نذكر من بينها التفاوت بين الدول في الممارسة الديمقراطيّة وفي التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ،إضافة إلى الفقر والنزاعات بمختلف أنواعها الإثنيّة والاجتماعيّة والسياسيّة ،وكذلك التدهور البيئيّ و إمكانيّة نفاذ الموارد الطبيعيّة وبخاصّة المياه.

غير أنّ التعلّم l’apprentissage يختلف كما هو معلوم عن التّعليم l’enseignement فإذا كان هذا الأخير، أي التّعليم ، يُنسَب إلى المعلّم في جهده وفي مقارباته البيداغوجية وسنداته التعليميّة ، فإنّ التعلّم منسوب بدرجة أولى إلى المتعلّم في محوريّته وفي مدى تفاعله مع مجمل المناشط التربويّة المخصّصة له. وعلى هذا الأساس فإنّ المتعلّم يستوعب من خلال عمليّة التفاعل مع المعلّم خبرات متعدّدة وقيما ونماذج سلوكيّة يسير على منوالها ، وبفعل هذا التّحصيل العلميّ بمستوييه النّظريّ والعمليّ تكون المؤسّسة التربويّة قد لعبت دورها ووفّرت للمجموعة الوطنيّة ما تحتاجه من الأطر والكوادر العلميّة والفنّية. فالتّعليم – كما عرّفه الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا – هو أقوى سلاح نستطيع من خلاله تغيير العالم ! فهل أنتجت المدرسة وعْيا لدى النّاشئة بأهميّة الموارد الطبيعيّة ؟ وهل تضمّنت برامجها الدراسيّة ومناهجها التعليميّة مدارات اهتمام ذاتَ صلة بالماء تحديدا وبكيفيّة التعامل المتبصّر مع هذه الثروة الاستراتيجية؟
اهتمامنا بطبيعة الحال مركّز على التجربة التربويّة التونسيّة في هذا الموضوع ، سواء في مستوى البرامج الدراسيّة أو المحامل البيداغوجيّة ،بحيث يجدر التنويه في هذا السياق إلى أنّ الاشتغال على هذا المبحث الحيويّ يندرج ضمن مدارات اهتمام أعمّ وأشمل ،وهي موزّعة على الدرجات التعليميّة المختلفة بدءا بالمرحلة الأساسيّة ومرورا بالمرحلة الإعداديّة وانتهاء بالمرحلة الثانويّة.
الماء هو الحياة، فليس بمقدور كائن على وجه البسيطة الاستغناء عنه، وهو إلى جانب الهواء والتراب والنبات، كلّها عناصر تمثّل بيئة الإنسان ومحيطه الذي يعيش فيه. فالبيئة بهذا المعنى هي "كلّ شيء يحيط بالإنسان " وهي أيضا " مجموع العوامل الطبيعيّة والبيولوجيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة التي تتجاور في توازن ،وتؤثّر بشكل مباشر أو غير مباشر في الإنسان والكائنات الأخرى" (2) ،ولا غرو حينئذ أن يحظى الماء باهتمام الكثير من المنظمات والحكومات ومختلف الأطراف في المجتمع الدوليّ ، فتعقد له الندوات والاجتماعات والدورات التكوينيّة والتوعويّة ،وتكون الشريحة الشبابيّة التلمذيّة والطالبيّة في طليعة الفئات المستهدفة بالتحسيس بأهمّية المياه وبضرورة ترشيد استهلاكه والتحكّم فيه.

إنّ ندرة المياه تمثّل لدى العديد من البلدان كارثة طبيعيّة حقيقيّة، والندرة لها وجهان: الوجه الأوّل مرتبط بالعوامل المناخيّة التي تتميّز بضعف التساقطات وبعدم انتظام نزول الأمطار بين الفصول والسنوات والجهات، والوجه الثاني وهو الأخطر إذ يتحمّل الإنسان مسؤوليّته سواء من خلال الاستغلال العشوائيّ وغير المحكم للمياه ،أو بعدم الحفاظ على الموائد المائيّة بسبب ربطها بقنوات التطهير وإلقاء الفضلات في مصادرها وفي منابعها ومجاريها ،وهو ما يتسبّب في تلويثها وفي الإضرار بصحّة الإنسان والإخلال بالبيئة ،وهذه الظاهرة منتشرة للأسف الشديد في العديد من المناطق ولا سيما في المدن الكبرى. و"تشير تقارير البنك الدوليّ حول أزمة المياه إلى أنّ 80% من أمراض مواطني العالم الثالث تسبّبها المياه الملوّثة ،وأنّ 10 ملايين شخص يموتون سنويّا للسبب نفسه ، وأنّ هناك مليار شخص في الدول النامية يعانون من نقص مياه الشرب النقيّة ،كما أنّ 80 دولة في العالم نسبة 40% من سكانها مهدّدة بنقص المياه " (3) .
هذه الوضعيّة المحرجة والمخيفة تستدعي بالفعل توعية وتحسيسا مستمرّين من جانب المعنيين بهذا الشأن الحيويّ ،فالإنسان وسيلة التنمية وهو غايتها ،فليس بالإمكان تحقيق تنمية مستدامة ما لم تحرص الحكومات والمنظمات من خلال برامجها ونظمها التربويّة على تحسين نوعيّة حياة ساكنيها في جوانبها الاقتصاديّة والماديّة والحقوقيّة. فالتنمية المستدامة تعني قدرة المجتمعات على توفير حاجات الأجيال الحاليّة دونما إلحاق الضرر بحاجات الأجيال القادمة، فهي تنشد تحقيق:
- العدالة الزمنيّة بين الأجيال (الحاليّة والمستقبليّة).
- العدالة المكانيّة بين الشعوب والقارّات.
- العدالة البيولوجيّة بين الكائنات.

الماء في البرامج التعليميّة التونسيّة:
لا نجانب الصّواب حين نقرّ بأنّ حضور الماء كمشغل تربويّ في المقرّرات الرّسميّة لتونس حضور معتبر، هو من بين المدارات المعرفيّة التي تكاد تغطّي مختلف المستويات الدراسيّة من ناحية ،ومختلف المواد المدرّسة من ناحية ثانية ،فالماء كوحدة معرفيّة وبيداغوجيّة يمثّل مبحثا أفقيّا عابرا لأغلب المواد :فهو قارّ في عائلة العلوم (الإيقاظ العلمي وعلوم الحياة والأرض) وفي عائلة الاجتماعيّات ( الجغرافيا والتربية المدنيّة والإسلاميّة) وفي عائلة اللّغات (العربيّة والفرنسيّة والإنجليزية) ، وهو أيضا حاضر في عديد الدرجات الدراسيّة (المرحلة الأساسيّة والمرحلة الإعداديّة والمرحلة الثانويّة) ، وهذه أمثلة لبعض العناوين :
- الدرجة الثانية من التعليم الأساسيّ: حماية المحيط، دور الإنسان في حماية المحيط(مقاومة تلوّث الماء والهواء والتربة).
- الدرجة الثالثة من التعليم الأساسيّ: وحدة التنشئة الاجتماعيّة، مادّة التربية الإسلاميّة( المحافظة على الثروة البيئيّة ،الماء).
- المستوى: السادسة أساسي، العنوان: لنحفظ هذه الثروة / الماء.
Sauver la nature : comment éviter le gaspillage de l’eau ?
الخدمات العموميّة: مثال التهيئة والتطهير( فوائد تصريف مياه الأمطار في قنوات معدّة للغرض، فوائد معالجة المياه المستعملة بمحطّات التطهير..)
- المستوى: الثامنة أساسيّ، وحدة التربية الإسلاميّة (مبحث :ولا تَبغ الفساد في الأرض ،الثروات الطبيعيّة، الماء في التشريع الإسلامي)
- المستوى: التّاسعة أساسي ،ضمن وحدة الجغرافيا (التنمية الفلاحيّة بتونس، المنظومة المائيّة في تونس)
ضمن وحدة التربية المدنيّة (مسؤوليّة المواطن تجاه المحيط الطبيعيّ :تبنّي مواقف وسلوكيّات بيئيّة إيجابيّة، ترشيد استهلاك الموارد الطبيعيّة والثروات، إنشاء الجمعيّات والأحزاب البيئيّة، إصدار التشريعات والمجلاّت القانونيّة مثل مجلّة المياه ومجلّة الغابات..)
- المستوى :الأولى ثانويّ، مادّة الجغرافيا ،المدار المعرفيّ :(الإنسان يستثمر الموارد الطبيعيّة، الموارد المائيّة وتوزّعها الجغرافيّ ، تعبئة المياه ،رهانات الماء..)
الإنسان والأوساط الطبيعيّة ( الفيضانات ،التصحّر).
- المستوى: الثالثة ثانويّ ، مادّة التربية المدنيّة، المدار المعرفيّ: التدهور البيئيّ( انعكاساته على مختلف مجالات الحياة الإنسانية) ..
إنّ هذه العناوين الدراسيّة المهتمّة بالماء باعتباره أصل الحياة "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ" الأنبياء،30 هي فيض من غيض، فالمقصد العلميّ ثابت دون أدنى شكّ من وراء الاهتمام بهذا المبحث الحيويّ، ولكنّ البعد التنشيئيّ والتوعويّ خاصّة بالنّسبة للأجيال الصغرى ليس غائبا عنها ،بل إنّ التّحسيس بالأخطار التي تهدّد محيط الإنسان الطبيعيّ ومنها تخصيصا ندرة المياه أو تلويثها هي جوهر الأهداف الوجدانيّة والسّلوكيّة التي يتعيّن على المدرّس التركيز عليها والتنبيه إلى اليقظة إزاءها.
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


المعلّم ومهام التربية على المواطنة البيئيّة -1-ـ عبدالله عطيّة*


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 14:53
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc