قديم 2015-11-22, 22:06
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية iyad05
iyad05
:: سوفت ماسي ::
افتراضي الجزيرة الخضراء ثغر الأندلس الباسم

الجزيرة الخضراء ثغر الأندلس الباسم




لمدينة الجزيرة الخضراء تاريخ قديم بصفتها إحدى القواعد الإسلامية الأندلسية في العصر الوسيط. وهي تقع في أقصى الطرف الجنوبي لإسبانيا، وتحظى بموقع بحري هام. وقد كانت إبان الوجود العربي بإسبانيا محطة استراتيجية لنزول المحاربين العرب والمغاربة شأنها في ذلك شأن شقيقتيها: جبل طارق وطريفة. فهي بهذا الاعتبار همزة وصل بين الأندلس والمغرب.

أصل التسمية "الجزيرة الخضراء"
وقد أطلق عليها طارق بن زياد اسم جزيرة أم حكيم نسبة إلى جارية كان قد حملها معه، فتركها بهذه الجزيرة، فنسبت إليها. يقول الأستاذ الباحث الإسباني خواكين فالفي (Jouaquine Vallvé) في خطاب الدخول إلى المجمع التاريخي الإسباني في مدريد: "أنا أعتقد أن الجزيرة الخضراء اسم معرب من كلمة جديرة ( Gadeira) وبأن مجاز الخضراء يساوي Gadeira أو بالأحرى المضيق القادسي، إني أظن أن اسم جزيرة أم حكيم ترجمة حرفية لجزيرة هيرا (Hera) أو خونو (Juno) الإلهة الأم للنصائح الجيدة، وهو بالضبط ما يعنيه اسم أم حكيم" [1].

وصف الجزيرة الخضراء
أقيمت مدينة الجزيرة الخضراء الحالية إذن على مرسى أم حكيم، وهي على ربوة مشرفة على البحر، وبينها وبين جبل طارق 18 كم، حيث يفصل بينهما مدينة صغيرة تسمى لالينيا (Lalinea)، وهي تابعة لإقليم قادس. وقد صفها ياقوت الحموي بأنها: "أشرف المدن وأطيبها أرضًا، وسورها يضرب به ماء البحر، ولا يحيط بها كما تكون الجزائر، لكنها متصلة ببر الأندلس لا حائل من الماء دونها، ومرساها من أجود المراسي للجواز وأقربها من البحر الأعظم" [2].

وجعلها صاحب أزهار الرياض: "باب هذا الوطن (يعني الأندلس) الذي منه طرق وادعه، ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه، وثنية الفتح التي برق منها لامعه، ومشرب الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غير مطامعه، وفرضة المجاز التي لا تنكر، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر، حيث يتقارب الشطآن، ويتوازى الخطان، وكاد أن تلتقي حلقتا البطان" [3].

الجزيرة الخضراء والفتح الإسلامي
تذهب المراجع الإسلامية إلى أن عبور طارق بن زياد إليها كان في سنة 92هـ. فقد تجمع المسلمون عند الجبل الذي سيعرف باسمه (جبل طارق). واجتهد طارق في أن يحصن هذا الموضع تحصينًا طيبًا ليتخذ منه حصنًا يحتمي به المسلمون إذا حدث ما لم يكن منتظرًا. ولم يكد يفرغ من ذلك حتى بعث عبد الملك بن أبي عامر في فرقة مختارة من الجند سارت بحذاء الساحل شمالًا، ثم انحدرت نحو الجنوب واستولت على بلدة الجزيرة الخضراء في مقابل جبل طارق، وبذلك أصبح مضيق جبل طارق كله في يد المسلمين، وعهد طارق إلى يوليان ومن معه من الجند حراسة هذا الموضع وحمايته من كل هجوم منتظر، وأمن المسلمون أن يعبر أحد إلى مركزهم الأول عند جبل طارق فيهدد مراكزهم وطريق مواصلاتهم مع إفريقية [4]. وقد اتخذ طارق بن زياد الجزيرة الخضراء قاعدة عسكرية لتغطية انسحابه في حالة الهزيمة، وذلك لشدة اتصال هذه المنطقة بالساحل المغربي.

وبعد الفتح العربي الإسلامي أصبحت الجزيرة الخضراء مدينة مزدهرة بحكم موقعها وأهميتها الاستراتيجية الرابطة بين العدوتين. وقد حكمها أمراء من البيوت المالكة، فسهروا على البناء والتشييد وخلق مشاريع للعمران والاستقرار. لذا شرع في وضع التصميمات لهذا الاستقرار ببناء المسجد الجامع فوق هضبة يقع في منتصفها، وجاء آية في الفن المعماري والزخرفة، له خمسة صحون وساحة واسعة وأروقة من ناحيته الشمالية. وبني مسجد آخر قرب الشاطئ اسمه مسجد الرايات، الذي يقول عنه الإدريسي إن سبب هذه التسمية هو أن الرايات التي حملتها كتائب الفاتح طارق بن زياد حفظت في ذلك المكان بعد زحفها من جبل طارق. ويقول آخرون "إن حملة الرايات -وهم قادة الكتائب- اجتمعوا قرب ذلك المكان لعقد مؤتمر عسكري، فلما عبر -أي موسى بن نصير- انتظرهم في مكان على مقربة من الجزيرة الخضراء ابتنى فيه مسجدًا، وأخذت الرايات تفد عليه في ذلك الموضع، فعرف الموضع والمسجد بمسجد الرايات، وظلا عامرين قرونًا طويلة" [5].

قال ابن سعيد نقلًا عن الرازي: "مدينة الجزيرة الخضراء من أرشق المدن وأطيبها، وأرفقها بأهلها، وأجمعها لخير البر والبحر وقرب المنافع من كل جهة. توسطت مدن الساحل وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع ونتاج، وعندما يخرج الإنسان من بابها، يجد المياه الجارية والبساتين النضرة ونهرها يعرف بوادي العسل. سمي بذلك لحلاوته، وعليه موضع سهل، عليه حاجب مشرف على النهر والبحر في نهايته من الحسن، يعرف بالحاجبية. ومن منتزهاتها النقا، ومقابرها حسنة، وفي نهاية من الأخذ بالقلوب والفرجة، وولاتها تتردد عليها من إشبيلية" [6].

الجزيرة الخضراء قبل الأمويين وبعدهم
لم تكد تمضي عقود من الزمن على الفتح الإسلامي حتى طفت على الساحة الأندلسية الاضطرابات والمنازعات العربية والبربرية، فاضطرمت البلاد بالفتن واتسع نطاق الثورات، وكانت الفتن والحروب الأهلية المتعاقبة تدفع بالأندلس إلى مصير مجهول تخشى عواقبه، وتعصف تباعًا بمنعة الإسلام في الغرب، وتشجع الفرنج ونصارى الشمال على اقتطاع الأطراف النائية، والتوغل في الأراضي الإسلامية. حيث كانت فترة حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري، ثم مجيء عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس، وبذلك بدأت المواجهات بينهما أدت في النهاية إلى انتصار عبد الرحمن وإعلان الدولة الأموية في الأندلس سنة 138هـ/ 756م [7].

ثم ما لبث أن توالت الثورات بالجزيرة الخضراء، فكان في زمن عبد الرحمن الداخل ثورة القاسم بن يوسف وحليفه رزق بن النعمان الغساني سنة 143هـ. والرماحس بن عبد العزيز الكناني سنة 164هـ، وثورة حبيب البرنسي سنة 236هـ، وفي سنة 245هـ (ولاية محمد بن عبد الرحمن بن الحكم)، هاجم النورمانديون (المجوس كما تسميهم الرواية الإسلامية) شواطئ الأندلس للمرة الثانية، وذلك في اثنين وستين مركبًا، فاحتلت بالجزيرة الخضراء، وتغلبت على الحاضرة فاستباحتها، وأحرقت المسجد الجامع. ثم ثورة عمر بن حفصون سنة 265هـ، والتي استمرت إلى عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر، الذي انتصر عليه في مدينة الجزيرة الخضراء يوم الخميس 4 ذي القعدة 301هـ، وقد عرفت المدينة في عهد الخليفة الناصر لدين الله استقرارًا اجتماعيًا وازدهارًا اقتصاديًا وثقافيًا، كما ازدادت رفعة ومكانة في عهد المنصور بن أبي عامر أحد أبنائها [8].

الجزيرة الخضراء منذ عهد ملوك الطوائف إلى بني مرين
بعد تفكك الدولة الأموية في الأندلس وظهور ملوك الطوائف، حكمها القاسم بن حمود إلى جانب طنجة وأصيلا، بينما عين أخوه علي حاكمًا على سبتة، وهما أميران إدريسيان كانا مسؤولين عن القوات الإفريقية المرابطة عند سيكوندة قبيل انهيار الدولة الأموية، ولما اشتد ساعداهما، أعلنا قيام مملكة بني حمود سنة 407 هـ. وقال ابن حيان إنه في سنة 439هـ اجتمع رؤساء القبائل من الأمازيغ على البيعة لمحمد بن القاسم بن حمود الحسني، وقدموه للخلافة بالجزيرة الخضراء، وتسمى من الألقاب الخلافية بالمهديّ، ولكن خلافته لم تستمر طويلًا، فقد قام المعتمد بن عباد ملك إشبيلية بمحاصرة الجزيرة الخضراء فوقعت المدينة في قبضته سنة 446هـ.

وفى عهد المرابطين وعبور أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى الأندلس الجواز الثالث سنة 483هـ، استرجعت الجزيرة الخضراء مكانتها الاستراتيجية في ساحة الأحداث من جديد بصفتها مكانًا للعبور ومنطلقًا للغزاة نحو المراكز الأندلسية الأخرى، إلا أن المدينة بدأت تفقد مركزها الحربي والتجاري مع ظهور الموحدين الذين ملكوها سنة 539هـ؛ لأنهم فضلوا استخدام مرفأ جبل طارق [9].

وفى عهد بني الأحمر بني نصر كانت الجزيرة الخضراء ضمن مملكة غرناطة وكانت تابعة لمالقة، وأصبحت الجزيرة الخضراء موضع صراع بين حكام العدوتين: بني الأحمر والنصارى في الأندلس، وبني مرين في المغرب. وقد فطن ملوك بني الأحمر إلى أهميتها وموقعها المتميز، فقاموا بتحصينها، كما اهتموا ببناء سلسلة من الأبراج ابتداء من مدينة ألمرية إلى الجزيرة الخضراء.

أما بنو مرين، فقد حصنوها كذلك حتى تتمكن الجيوش المغربية من العبور إلى الأندلس للجهاد ومساندة إخوانهم ضد الزحف المسيحي دون مشقة أو عناء، فأضحت الجزيرة الخضراء في عهد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب المنصور المريني مقرًّا للقيادة ومستودعًا للإمدادات ومنطلقًا للغزوات، يعود إليها بعد كل غزوة يغزوها داخل الأندلس، فبنى بها قصرًا ومشورًا وجامعًا، فنشطت فيها الحركة وانتعشت تجارتها وكثر رواجها؛ كما نشط الخط البحريّ بينها وبين مدينتي سبتة وطنجة [10].

سقوط الجزيرة الخضراء بيد الإسبان
ظلت الجزيرة الخضراء بيد المسلمين نتيجة للتحالف الإسلامي بين المرينيين والنصريين، ولكن الودّ لم يستمر؛ إذ سرعان ما تسربت الدسائس وسيطرت الأطماع وتغلبت الفردية على المصلحة العامة. فقام بنو الأحمر سنة 691هـ، يساعدهم الأذفونش مادّيًّا ومعنويًّا، باحتلال بلدة طريف ليقطع بذلك جواز السلطان يوسف بن يعقوب إلى الأندلس. وفي سنة 709هـ، قام السلطان المريني سليمان بن عبد الله بتسليم الجزيرة الخضراء ورندة وأحوازها لملك بني الأحمر نصر بن محمد الثاني، وذلك بعد زواجه من أخته، فاغتنمها العدو فرصة، فهاجمها في 21 صفر 709هـ، ثم استردها المسلمون بعد 24 عامًا.

معركة طريف المشؤومة ومصير الجزيرة الخضراء
وقد استمر التحالف بين السلطان المريني والملك يوسف الأول بن الأحمر على العدوّ الذي بدأ يجمع شتاته استعدادًا للمعركة الكبرى. فتوحّدت الدول النصرانية (الإسبانية والبرتغالية) للزحف على المسلمين وإخراجهم من الأندلس. فأرسل أبو الحسن المريني إلى السلطان يوسف الأول النجدات والمساعدات تحت قيادة ولده أبي مالك الذي استشهد بأرض الأندلس. وتلا ذلك قدومه بنفسه ليثأر لولده، مجهزًا بأسطول قدّر يومئذ بأربعين ومائة سفينة معظمها حربية. ونزل هو وجنوده بالسهل شمال غربي طريف على مقربة من نهر سالادو في صفر 741هـ؛ كما قام ملك غرناطة يوسف الأول بتجهيز فرق من الجيش والغزاة، وطوَّقوا بلدة طريف من كل ناحية ونصبوا عليها الآلات الحربية.

أما جيش النصارى، فكان قد توغل في أراضي المسلمين حتى وصل الجزيرة الخضراء يعززهم الأسطول النصرانيّ الذي رابط في بحر الزقاق ليمنع قدوم المساعدات والإمدادات من المغرب إلى السفن والجيوش الإسلامية. وبعد ستة أشهر من الحصار الخانق، دبّ الضعف والوهن بين المسلمين وقلّت مؤونتهم، واحتدم الصراع والمواجهات، وسقط فيها من المسلمين عدد كبير، ونجا فيها السلطان المريني بأعجوبة بعد أن سقط علمه في يد النصارى، والذي لا يزال بكنيسة طليطلة العظمى. ففر إلى الجزيرة الخضراء ومنها إلى جبل طارق، ثم ركب الأسطول إلى سبتة في ليلة غده. وكانت الهزيمة النكراء في 7 جمادى الآخرة سنة 741هـ / 1341م. وتعرف هذه المعركة عند الإسبان بــ (ريو سالادو Labatalla del Rio Salado).

وكان لوقعة طريف المشؤومة الأثر الكبير في إرهاق الدولة المرينية سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا؛ كما قام العدو بعدها بالاستيلاء على المواقع الاستراتيجية بالأندلس (طريف والجزيرة الخضراء)، ولم يبق بيد المسلمين من الثغور بعدئذ سوى جبل طارق. ولما استولى ألفونسو الحادى عشر ملك قشتالة على الجزيرة الخضراء خربها وحول مسجدها الجامع إلى كنيسة سميت سانت ماريا دى لا بالماس "القديسة مريم ذات النخيل" Sta Maria del las Palmas.

وقد حاول المسلمون الانتقام لهذه الهزيمة. فكانت هناك مناوشات من طرف ملوك غرناطة وحكام المغرب لاستردادها منذ عام 743هـ، ثم كانت الحملة الكبرى عليها سنة 770هـ أيام أمير غرناطة محمد الخامس وسلطان المغرب أبي فارس المريني، وقد استطاع المسلمون استردادها بعد ما يقارب الثلاثين شهرًا، ويصف المقري تلك النازلة ونتائجها في "أزهار الرياض" حيث يقول: "وخفقت بنصر الله عذبات الأعلام، ونطقت المآذن العالية بالأذان الشهير، والذكر الجهير، وطرحت كفارها التماثيل عن المسجد الكبير، وأزرى بألسنة النواقيس لسان التهليل والتكبير، فعادت المدينة لأحسن أحوالها، وسكنت من بعد أهوالها، وعادت الجالية إلى أموالها، ورجع إلى القطر شبابه، ورد على دار الإسلام بابه، واتصلت بأهل لا إله إلا الله أسبابه. فهي اليوم في بلاد الإسلام قلادة البحر، وحاضرة البر والبحر".

وعمرت المدينة فترة من الزمن تحت حكم غرناطة. ولكن كيف الصمود وجحافل المقاومة الإسبانية تحاصرها من جميع الجهات إلا الجهة المطلة على المغرب الذي فتح ذراعيه لاستقبال المهاجرين الذين ضاقت بهم سبل العيش هناك. إذ ما لبثت أن فقدت المدينة مكانتها. فاحتلت ثانية من قبل الإسبان الذين جاءوها من جهة جبل طارق عام 780هـ، فخربت وهدمت.

أما المدينة الجديدة كما نعرفها اليوم، فيرجع تاريخها إلى سنة 1760م عندما أمر الملك الإسباني شارل الثالث بإعادة بنائها بموجب مرسوم ملكي [11]. (وهذا هو السر في أن الجزيرة الخضراء تبدو مدينة حديثة لا صلة لها بالعهد الإسلامي، وليس فيها آثار أندلسية إلا أنه يوجد بها بعض الآثار التي تعود للعصر الأندلسي محفوظة في متحف البلدية Municipal Museum الذي أسس في عام 1995م ويقع في الطرف الشمالي من حديقة de las Acacias de Algeciras).

الجزيرة الخضراء دورها الحضاري والفكري
كانت الجزيرة الخضراء مدينة مزدهرة تجاريًّا وحضاريًّا وثقافيًّا أيّام الوجود العربيّ الإسلاميّ بالأندلس، ينسب إليها عدد كبير من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء كان لهم الصدى الطيب في تاريخ الحضارة الإسلامية. ويكفيها فخرًا أن الأديب ابن عبد الملك المراكشي، صاحب كتاب "الذيل والتكملة لكتاب الصلة"، قصدها أيام شبيبته (القرن السابع الهجري) وحضر بها صلاة جمعة واحدة وأقام بها ثلاثة أيام جائلًا في نواحيها، آخذًا عن أهلها ثم قال: "حصل لنا الغرض من مشاهدة بعض البلاد الأندلسية والكون بها، والحمد لله على ذلك" وعاد قافلًا إلى أرضه.

ويعلق الدكتور محمد بن شريفة على هذه الرحلة، فيرى أنه اكتفى بزيارة الجزيرة الخضراء لقربها وخروج أمهات المدن الأندلسية من يد المسلمين وارتحال جل علمائها إلى المغرب: ونجد بعض أصداء هذه الرحلة في الأسفار التي بين أيدينا من "الذيل والتكملة"، وتسمية لبعض الشيوخ الذين لقيهم في الجزيرة الخضراء وزيارة لخزائن خاصة فيها، قال في ترجمة ابن خميس المتوفى سنة 688هـ: "روى عنه ابن أبي جعفر وأصحابنا: قريبه أبو بكر بن محمد القللوسي وأبو إسحاق بن أحمد بن علي التجيبـي وأبو عبد الله بن عمر بن رشيد ولقيته بالجزيرة الخضراء وسمعت منه بعض كلامه، وأجاز لي ولمن أدرك حياته من ولدي".

كما أنه سمع خطبة هذا الشيخ وصلى وراءه يوم الجمعة، إذ كان الإمام الخطيب بالجامع الأعظم في الجزيرة الخضراء، وأتيح له أن يطلع على مكتبة آل عظيمة وهم "بيت علم بالقراءات واشتغال بها وانقطاع إليها، إقراء وتجويد". قال: "وقد وقفت بالجزيرة الخضراء عند صاحبنا الورع الفاضل أبي عمرو عياش بن الطفيل هذا المترجم به على جملة وافرة من كتب سلفه مما تملكوه أو كتبوه أو ألفه مؤلفوه" [12]. ومن الأسر العلمية التي اشتهرت بالمدينة عائلة ابن خميس الجزيري، ونذكر منهم أبا عبد الله محمد بن أحمد بن خميس الخطيب والفقيه والمجود للقرآن [13].

ونذكر كذلك أبا مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري العبقري البليغ، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الجزيري الذي برع في العلم وجال، واشتهر بمهدي الغرب. والقاضي عباس بن ناصح الثقفي الجزيري، تولى قضاء بلده مع شذونة. ثم أبو الحسن علي بن حفص الجزيري، ذكر الحجاري نقلًا عن ابن سعيد أنه لم يلق بالجزيرة الخضراء مثله. وأبو العباس أحمد بن بلال وهو من شيوخ الجزيرة الخضراء. والفقيه محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الغافقي من أهل الجزيرة الخضراء المعروف بالقباعي. والفقيه موسى بن سيد بن إبراهيم الأموي، وكان فقيهًا مشاورًا خطيبًا مصقعًا. والأستاذ المقرئ موسى بن فتح بن خميس الأنصاري. وعبد الله بن موسى بن محمد اليحصبي المعروف بالركيبي له رواية وعناية بالعلم وأدَّب. والشاعر الخطيب عبد الرحمن بن أبي حفص عم بن عبد الرحمن بن عذرة الأنصاري. وعبد الرحمن بن علي بن القاسم الجزري، وهو القاضي المشاور النحوي. وممن أقاموا بها من العلماء وانتفع بعلمهم فيها الشيخ الفقيه المتكلم أبو عبد الله بن سعد التميمي التّسلي الكَرْسوطي (من أهل فاس). قدم إليها سنة 722هـ، فأقام بها مقرئًا بمسجد الصواع منها، ومسجد الرايات.

لقد ذكرت كتب التراجم الكثير من رجالات الجزيرة الخضراء، وهو ما يبرز دورها بصفتها مدينة علم وفكر وأدب، تضج بأعلام كبار في كل فن أيام ازدهار الحضارة الإسلامية في الأندلس، إضافة إلى قربها من مدينة سبتة التي كانت إحدى العواصم الثقافية بالمغرب.

إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


الجزيرة الخضراء ثغر الأندلس الباسم


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:42
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc