ما الذي جعل فنانا عالميا شهيرا من طينة جيرار ديبارديو، يسعى للحصول على الجنسية الجزائرية، وهو المنتج السنمائي ورجل الأعمال الذي رحّبت به روسيا ومنحته جنسيتها حتى يدخل عالم المال الروسي الذي جعل ابنة الإمبراطورية الشيوعية والاشتراكية تكتنز أكبر عدد من مليارديرات* العالم؟
سؤال يمكن الإجابة عنه، من خلال قراءة السيرة الذاتية لهذا الفنان الثري، وأيضا من خلال الخارطة المالية الجزائرية، فالفنان الأكثر إثارة في فرنسا ظل رافضا للمنظومة المالية في فرنسا وفي إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. وعندما تحصّل على الجنسية الروسية، مع بداية العام الماضي، اعترف صراحة بأنه هرب من غول الضرائب الذي تُرعب به فرنسا أثرياءها، لأجل إدخالها في ميزانية عامة الشعب، واعتبر الدول التي لا تفرض الضرائب على رجال الأعمال فردوس الأرض، ومن جنة روسيا بلغته نسائم جنان التسامح أو الخذلان الذي تمارسه الدولة الجزائرية على رجال المال والأعمال، وهي لا تغمض عينيها أمامهم فقط، بل إنها تمنحهم الأراضي والدعم المادي، كما حدث مع المؤسسات البترولية الخارجية العالمية، وكما يحدث مع أثرياء الجزائر الذين استوردوا للجزائريين بواخر الاستهلاك وتحوّلوا إلى "قارونات" العصر الحديث، ولن يجد ديبارديو، موطنا يمارس فيه مصّ الدماء مثل الجزائر، خاصة أنه قال مرة إنه يحلم بفيلم سنمائي في الصحراء الجزائرية. وقال أيضا إنه يحلم بدخول عالم تجارة النفط. وواضح أن هذا الفيلم قد يتحول إلى واقع، وهذا الحلم إلى حقيقة.
لقد عجزت الجزائر دائما في جذب المستثمرين الأجانب، فكان نصفهم يطلب استنزاف النفط الجزائري، والنصف الآخر يستثمر في الاستهلاك الغذائي، وبقي التواجد الأجنبي في الجزائر هو أخذ من دون عطاء، لتكتشف الجزائر أنها لم تتقدم خطوة واحدة إن لم تكن قد تراجعت إلى الخلف. وإذا كانت الدولة عندما تقول إن الجزائريين يعيشون بقرابة المئة بالمئة من عائدات النفط، وتحاول أن تذكر الشعب بأنه جهاز هضمي يمضغ ثم يبلع وأحيانا يبلع من دون أن يمضغ، فإنها ساهمت في هذا الوضع، عندما تحوّلت مداخيل الضرائب مقتصرة على العمال فقط، ولا يمكن التعليق على التناقض الصارخ الذي تقوم به الدولة عندما تقتطع الضريبة من مرتب العامل الذي يتقاضى أربعين ألف دينار وتتجاهل لاعب كرة يتقاضى قرابة نصف مليار سنتيم شهريا، سوى بأنها مهزلة وفضيحة. وشرح مرّة مدرب سويسري يدعى قيقر كان يقود شبيبة بجاية سبب تواجده في الجزائر ورفضه لعروض حقيقية تصله من أندية أوروبية معروفة في فرنسا وإيطاليا، وربطها بكونه يأخذ أموال بجاية التي هي في حقيقتها أموال أبناء المدينة من دون دفع للضرائب، بينما تقتسم معه مصالح الضرائب الأوربية أجره من أجل تحويله لأبناء المدينة الأوروبية.
جيرار ديبارديو مستثمر الخمور، البالغ من العمر خمسا وستين سنة، وهو رفيق عبد المؤمن خليفة، قضى حياته بحثا عن بلد يفرش للجشعين البساط الأحمر، فقضى نصف العمر في فرنسا، وشرّق نحو روسيا وغرّب نحو أمريكا ولم يجد، وقد وهن عظمه فنيا واحترق رأسه شيبا.. سوى الجزائر.
2013-06-26, 12:35
