قديم 2013-08-02, 18:01
رقم المشاركة : 1  
samirino
:: سوفت ماسي ::
افتراضي من حِكَم صيام شهر رمضان المبارك

من حِكَم صيام شهر رمضان المبارك

***{ من حِكَم صيام شهر رمضان المبارك }***






مقدمة حِكَم بديع الزمان النُّورْسي


ذكر الأستاذ بديع الزمان النَّورْسي عدداً من الحِكَم المستفادة من صيام شهر رمضان المبارك، الذي وصفه بأنه أسطع الشعائر الإسلامية وأجَلَّها، وأنه يأتي في أوائل الأركان الخمسة للإسلام.

وبيَّن الأستاذ بديع الزمان النُّورْسي أن أكثر الحِكم المتمخضة عن صوم رمضان تتوجه إلى إظهار ربوبية الحق تبارك وتعالى، كما تتوجه إلى حياة الإنسان الاجتماعية، وإلى حياته الشخصية، وتتوجه أيضاً إلى تربية النفس وتزكيتها، وإلى القيام بالشكر تجاه النِّعَم الإلهية.

وقد ذكر الأستاذ النُّورْسي في إحدى رسائله، وهي الرسالة المسمى بـ "المكتوبات" تسع حِكَمٍ تُستفاد من صيام شهر رمضان المبارك.

ولأهمية هذه الحِكَم فقد ارتأينا إفرادها وجمعها في مكان واحد، فتجمع منها تسع حكم قصيرة في مادتها، بيد أنها غنية في مضمونها. وقد اجتهدنا أن نضع لكل حكمة عنواناً مستوحى من مضمونها، والحِكَم في الأصل غير معنونة، وإنما جاءت تحت عنوان "نكات" .





صوم رمضان يُذكِّر العبد بربوبية الحق تبارك وتعالى


الحكمة الأولى

قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن الله سبحانه وتعالى قد خلق وجه الأرض مائدة ممتدة عامرة بالنِّعَم التي لا يحصرها العدُّ، وأعدها إعداداً بديعاً من حيث لا يحتسبه الإنسان. فهو سبحانه يبين بهذا الوضع كمال ربوبيته ورحمانيته ورحيميته، بيد أن الإنسان لا يبصر تماماً -تحت حجاب الغفلة وضمن ستائر الأسباب- الحقيقة الباهرة التي يفيدها، ويعبر عنها هذا الوضع، وقد ينساها.

أما في رمضان المبارك، فالمؤمنون يصبحون فوراً في حكم جيش منظم، يتقلدون جميعاً وشاح العبودية لله، ويكونون في وضع متأهب قبيل الإفطار؛ لتلبية أمر القادر الأزلي: "تفضلوا" إلى مائدة ضيافته الكريمة...فيقابلون -بوضعه هذا- تلك الرحمة الجليلة الكلية بعبودية واسعة منظمة عظيمة...

تُرى، هل يستحق أولئك الذين لم يشتركوا في مثل هذه العبودية السامية، وفي مثل هذه الكرامة الرفيعة أن يُطلق عليهم اسم إنسان؟!





صوم رمضان يؤدي إلى شكر الرحمن


الحكمة الثانية


قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن هناك حِكَماً عدة يتوجه بها صيام رمضان المبارك بالشكر على النِّعَم التي أسبغها الباري علينا، منها: أن الأطعمة التي يأتي بها خادم من مطعم سلطان لها ثمنها، ويُعدُّ من البلاهة توهم الأطعمة النفيسة تافهة غير ذات قيمة، وعدم معرفة مُنْعِمها الحقيقي، في الوقت الذي يمنح الخادم هبات وعطايا لأجلها. وكذلك الأطعمة والنِّعَم غير المعدودة التي بثها الله سبحانه في وجه الأرض، فإنه يطلب منا حتماً ثمنها، ألا وهو القيام بالشكر له تجاه تلك النِّعَم. والأسباب الظاهرية التي تحمل عليها تلك النِّعَم، وأصحابها الظاهرون هم بمثابة خَدَمة لها، فنحن ندفع للخدام ما يستحقونه من الثمن، ونظل تحت فضلهم ومِنَّتهم، بل نبدي لهم التوقير والشكر أكثر مما يستحقونه، والحال أن المنعم الحقيقي سبحانه يستحق -ببثه تلك النِّعَم- أن نقدم له غاية الشكر والحمد، ومنتهى الامتنان والرضا، وهو الأهل لكل ذلك، بل أكثر.

إذن، فتقديم الشكر لله سبحانه، وإظهار الرضا إزاء تلك النِّعَم إنما يكون بمعرفة صدور تلك النِّعَم والآلاء منه مباشرة، وبتقدير قيمتها، وبشعور الحاجة إليها.

لذا، فإن صيام رمضان المبارك لهو مفتاح شكر حقيقي خالص، وحمد عظيم عام لله سبحانه؛ وذلك لأن أغلب الناس لا يدركون قيمة نِعَم كثيرة -غير مضطرين إليها في سائر الأوقات- لعدم تعرضهم لقساوة الجوع الحقيقي وأوضاره. فلا يدرك -مثلاً- درجة النِّعَم الكامنة في كسرة خبز يابس أولئك المتخمون بالشبع، وبخاصة إن كانوا أثرياء مُنَعَّمين، بينما يدرك المؤمن عند الإفطار أنها نعمة إلهية ثمينة، وتشهد على ذلك قوته الذائقة؛ لذا ينال الصائمون في رمضان -ابتداء من السلطان، وانتهاء بأفقر الفقراء- شكراً معنويًّا لله تعالى، منبعثاً من إدراكهم قيمة تلك النعم العظيمة.

أما امتناع الإنسان عن تناول الأطعمة نهاراً، فإنه يجعله يتوصل إلى أن يدرك بأنها نعمة حقاً؛ إذ يخاطب نفسه قائلاً: "إن هذه النِّعَم ليست ملكاً لي، فأنا لست حرًّا في تناولها، فهي إذن تعود إلى واحد آخر، وهي أصلاً من إنعامه وكرمه علينا، وأنا الآن في انتظار أمره". وبهذا يكون قد أدى شكراً معنويًّا حيال تلك النِّعَم. وبهذه الصورة يصبح الصوم في حكم مفتاح للشكر من جهات شتى، ذلك الشكر الذي هو الوظيفة الحقيقة للإنسان.






صوم رمضان مدعاة للشعور بالفقراء


الحكمة الثالثة

قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن حكمة واحدة للصوم من بين حِكَمِه الغزيرة المتوجهة إلى الحياة الاجتماعية للإنسان، هي أن الناس قد خُلقوا على صور متباينة من حيث المعيشة، وعليه يدعو الله سبحانه الأغنياء لمدِّ يدِّ المعاونة لإخوانهم الفقراء. ولا جرم أن الأغنياء لا يستطيعون أن يستشعروا شعوراً كاملاً حالات الفقر الباعثة على الرأفة، ولا يمكنهم أن يحسوا إحساساً تامًّا بجوعهم، إلا من خلال الجوع المتولد من الصوم...فلولا الصوم لما تمكن كثير من الأغنياء التابعين لأهوائهم من أن يدركوا مدى ألم الجوع والفقر، ومدى حاجة الفقراء إلى الرأفة والرحمة. لذا تصبح الشفقة على بني الجنس -المغروزة في كيان الإنسان- هي إحدى الأسس الباعثة على الشكر الحقيقي، حيث يمكن أن يجد كل فرد أيًّا كان- مَنْ هو أفقر منه من جهة، فهو مكلف بالإشفاق عليه.

فلو لم يكن هناك اضطرار لإذاقة النفس مرارة الجوع، لما قام أحد أصلاً بإسداء الإحسان إلى الآخرين، والذي يتطلبه التعاون المكلف به برابطة الشفقة على بني الجنس، وحتى لو قام به لما أتقنه على الوجه الأكمل؛ ذلك لأنه لا يشعر بتلك الحالة في نفسه شعوراً حقيقاً.





صوم رمضان إدراك لحقيقة الإنسان وأنه عبد لله اضطراراً


الحكمة الرابعة


قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن صوم رمضان يحوي من جهة تربية النفس البشرية حِكماً عدة، منها: أن النفس بطبيعتها ترغب الانفلاتَ من عِقالها حرة طليقة، وتتلقى ذاتها هكذا. حتى إنها تطلب لنفسها ربوبية موهومة، وحركة طليقة كيفما تشاء، فهي لا تريد أن تفكر في كونها تنمو وتترعرع وتربى بنِعَم إلهية لا حدَّ لها، وبخاصة إذا كانت صاحبة ثروة واقتدار في الدنيا، والغفلة تساندها وتعاونها. لذا تزدرد النِّعَم الإلهية كالأنعام دون إذن ورخصة.

ولكن تبدأ نفس كل شخص بالتفطن في ذاتها في رمضان المبارك، ابتداء من أغنى غني إلى أفقر فقير، فتدرك بأنها ليست مالكة، بل هي مملوكة، وليست حرة، بل هي عبدة مأمورة، فلا تستطيع أن تمد يدها إلى أدنى عمل من غير أمر، بل حتى لا تستطيع أن تمدها إلى ماء...وبهذا ينكسر غرور ربوبيتها الموهومة، فتتقلد ربقة العبودية لله تعالى، وتدخل ضمن وظيفتها الأساس، وهي الشكر.






صوم رمضان يُذكر العبد بعجزه وفقره لله سبحانه


الحكمة الخامسة

قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن لصوم رمضان حِكَماً كثيرة من حيث توجهه إلى تهذيب النفس الأمارة بالسوء، وتقويم أخلاقها وجعلها تتخلى عن تصرفاتها العشوائية، نذكر منها:

إن النفس الإنسانية تنسى ذاتها بالغفلة، ولا ترى ما في ماهيتها من عجز غير محدود، ومن فقر لا يتناهى، ومن تقصيرات بالغة، بل لا تريد أن ترى هذه الأمور الكامنة في ماهيتها، فلا تفكر في غاية ضعفها، ومدى تعرضها للزوال، ومدى استهداف المصائب لها، كما تنسى كونها من لحم وعظم يتحللان ويفسدان بسرعة، فتتصرف واهمة كأن وجودها من فولاذ، وأنها منـزهة عن الموت والزوال، وأنها خالدة أبدية، فتراها تنقضُّ على الدنيا، وترمي نفسها في أحضانها حاملة حرصاً شديداً، وطمعاً هائلاً، وترتبط بعلاقة حميمة ومحبة عارمة معها، وتشد قبضتها على كل ما هو لذيذ ومفيد، ومن ثم تنسى خالقها الذي يربيها بكمال الشفقة والرأفة، فتهوي في هاوية الأخلاق الرديئة، ناسية عاقبة أمرها وعقبى حياتها وحياة أُخراها.

ولكن صوم رمضان يُشعر أشد الناس غفلة، وأعتاهم تمرداً بضعفهم وعجزهم وفقرهم، فبوساطة الجوع يفكر كل منهم في نفسه وفي معدته الخاوية، ويدرك الحاجة التي في معدته، فيتذكر مدى ضعفه، ومدى حاجته إلى الرحمة الإلهية ، فيشعر في أعماقه توقاً إلى طرق باب المغفرة الربانية بعجز كامل، وفقر ظاهر، متخلياً عن فرعنة النفس متهيئاً بذلك لطرق باب الرحمة الإلهية بيد الشكر المعنوي -إن لم تُفسد الغفلة بصيرته-





شهر رمضان شهر الانفتاح على القرآن


الحكمة السادسة

قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن من الحِكَم الوفيرة في صيام رمضان المبارك من حيث توجهه إلى نزول القرآن الكريم، ومن حيث إن شهر رمضان هو أهم زمان لنـزوله، نورد الحكمة التالية:

لما كان القرآن الكريم قد نزل في شهر رمضان المبارك فلا بد من التجرد عن الحاجيات الدنيئة للنفس، ونبذ سَفْسَاف الأمور وتُرهاتها؛ استعداداً للقيام باستقبال ذلك الخطاب السماوي استقبالاً طيباً يليق به؛ وذلك باستحضار وقت نزوله في هذا الشهر والتشبه بحالات روحانية ملائكية، بترك الأكل والشرب، والقيام بتلاوة القرآن الكريم تلاوة كأن الآيات تتنـزل مجدداً، والإصغاء إليه بهذا الشعور بخشوع كامل، والاستماع إلى ما فيه من الخطاب الإلهي للسمو إلى نيل مقام رفيع، وحالة روحية سامية، كأن القارئ يسمعه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، بل يشدُّ السمع إليه كأنه يسمعه من جبريل عليه السلام، بل من المتكلم الأزلي سبحانه وتعالى، ثم القيام بتبليغ القرآن الكريم وتلاوته للآخرين؛ تبياناً لحكمة من حِكَم نزوله.

إن العالم الإسلامي في رمضان المبارك يتحول إلى ما يشبه المسجد، ويا له من مسجد عظيم، تعج كل زاوية من زواياه، بل كل ركن من أركانه، بملايين الحفاظ للقرآن الكريم، يرتلون ذلك الخطاب السماوي على مسامع الأرضيين، ويظهرون بصورة رائعة براقة مصداق الآية الكريمة {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} (البقرة:185)، مثبتين بذلك أن شهر رمضان هو حقاً شهر القرآن. أما الأفراد الآخرون من تلك الجماعة العظمى، فمنهم من يلقي السمع إليهم بكل خشوع وهيبة، ومنهم من يرتل تلك الآيات الكريمة لنفسه.

ألا ما أقبح وما أزرى الانسلاخ من هذا المسجد المقدس، الذي له هذا الوضع المهيب، لهاثاً وراء الأكل والشرب تبعاً لهوى النفس الأمارة بالسوء! وكم يكون ذلك الشخص هدفاً لاشمئزاز معنوي من قِبَل جماعة المسجد؟ وهذا الأمر في الذين يخالفون الصائمين في رمضان المبارك، فيُصبحون هدفاً لازدراءٍ وإهانةٍ معنويين -بتلك الدرجة- من قِبَلِ العالم الإسلامي كله.





شهر رمضان شهر الانفتاح على القرآن


الحكمة السادسة


قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن من الحِكَم الوفيرة في صيام رمضان المبارك من حيث توجهه إلى نزول القرآن الكريم، ومن حيث إن شهر رمضان هو أهم زمان لنـزوله، نورد الحكمة التالية:

لما كان القرآن الكريم قد نزل في شهر رمضان المبارك فلا بد من التجرد عن الحاجيات الدنيئة للنفس، ونبذ سَفْسَاف الأمور وتُرهاتها؛ استعداداً للقيام باستقبال ذلك الخطاب السماوي استقبالاً طيباً يليق به؛ وذلك باستحضار وقت نزوله في هذا الشهر والتشبه بحالات روحانية ملائكية، بترك الأكل والشرب، والقيام بتلاوة القرآن الكريم تلاوة كأن الآيات تتنـزل مجدداً، والإصغاء إليه بهذا الشعور بخشوع كامل، والاستماع إلى ما فيه من الخطاب الإلهي للسمو إلى نيل مقام رفيع، وحالة روحية سامية، كأن القارئ يسمعه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، بل يشدُّ السمع إليه كأنه يسمعه من جبريل عليه السلام، بل من المتكلم الأزلي سبحانه وتعالى، ثم القيام بتبليغ القرآن الكريم وتلاوته للآخرين؛ تبياناً لحكمة من حِكَم نزوله.

إن العالم الإسلامي في رمضان المبارك يتحول إلى ما يشبه المسجد، ويا له من مسجد عظيم، تعج كل زاوية من زواياه، بل كل ركن من أركانه، بملايين الحفاظ للقرآن الكريم، يرتلون ذلك الخطاب السماوي على مسامع الأرضيين، ويظهرون بصورة رائعة براقة مصداق الآية الكريمة {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} (البقرة:185)، مثبتين بذلك أن شهر رمضان هو حقاً شهر القرآن. أما الأفراد الآخرون من تلك الجماعة العظمى، فمنهم من يلقي السمع إليهم بكل خشوع وهيبة، ومنهم من يرتل تلك الآيات الكريمة لنفسه.

ألا ما أقبح وما أزرى الانسلاخ من هذا المسجد المقدس، الذي له هذا الوضع المهيب، لهاثاً وراء الأكل والشرب تبعاً لهوى النفس الأمارة بالسوء! وكم يكون ذلك الشخص هدفاً لاشمئزاز معنوي من قِبَل جماعة المسجد؟ وهذا الأمر في الذين يخالفون الصائمين في رمضان المبارك، فيُصبحون هدفاً لازدراءٍ وإهانةٍ معنويين -بتلك الدرجة- من قِبَلِ العالم الإسلامي كله.





صوم رمضان تجارة رابحة مع الله تعالى


الحكمة السابعة

قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن صيام رمضان من حيث تطلعه لكسب الإنسان -الذي جاء إلى الدنيا لأجل مزاولة الزراعة الأخروية وتجارتها- له حِكَمٌ شتى، نذكر واحدة هي أن ثواب الأعمال في رمضان يضاعَف الواحدُ إلى الألف. ومن المعلوم أن كل حرف من القرآن الحكيم له عشر أثوبة، ويعدُّ عشر حسنات، ويجلب عشر ثمار من ثمرات الجنة -كما جاء في الحديث الشريف- ففي رمضان يولِّد كل حرف ألفاً من تلك الثمرات الأخروية بدلاً من عشر منها، وكل حرف من حروف آيات -كآية الكرسي- يفتح الباب أمام الألوف من تلك الحسنات، لتتدلى في الآخرة ثماراً حقيقة. وتزداد تلك الحسنات باطراد أيام الجُمع في رمضان، وتبلغ الثلاثين ألفاً من الحسنات ليلة القدر.

نعم، إن القرآن الكريم الذي يهب كل حرف منه ثلاثين ألفاً من الثمرات الباقية يكون بمثابة شجرة نورانية -كشجرة طوبى الجنة- بحيث يُغنِم المؤمنين في رمضان المبارك تلك الثمرات الدائمة الباقية التي تعد بالملايين...تأمَّل هذه التجارة المقدسة الخالدة المربحة، وأجِلِ النظر فيها، ثم تدبر في أمر الذين لا يقدِّرون قيمة هذه الحروف المقدسة حق قدرها، ما أعظم خسارتهم وما أفدحها؟

وهكذا، فإن شهر رمضان المبارك أشبه ما يكون بمعرض رائع للتجارة الأخروية، أو هو سوق في غاية الحركة والربح لتلك التجارة، وهو كالأرض المنبتة في غاية الخصوبة والغَناء لإنتاج المحاصيل الأخروية...وهو كالغيث النازل في نيسان لإنماء الأعمال وبركاتها...وهو بمثابة مهرجان عظيم وعيد بهيج مقدس لعرض مراسيم العبودية البشرية تجاه عظمة الربوبية وعزة الألوهية.

لأجل كل ذلك، فقد أصبح الإنسان مكلفاً بالصوم؛ لئلا يلج في الحاجات الحيوانية، كالأكل والشرب من حاجات النفس بالغفلة، ولكي يتجنب الانغماس في شهوات الهوى وما لا يعنيه من الأمور...وكأنه أصبح بصومه مرآة تعكس "الصمدانية"، حيث قد خرج مؤقتاً من الحيوانية، ودخل في وضع مشابه للملائكية، أو أصبح شخصاً أخرويًّا، وروحاً ظاهرة بالجسد، بدخوله في تجارة أخروية وتخلِّيه عن الحاجات الدنيوية المؤقتة.

نعم إن رمضان المبارك يُكسب الصائم في هذه الدنيا الفانية، وفي هذا العمر الزائل، وفي هذه الحياة القصيرة عمراً باقياً، وحياة سرمدية مديدة، ويتضمن كلها. فيمكن لشهر رمضان واحد فقط أن يمنح الصائم ثمرات عمر يناهز الثمانين سنة. وكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر -بنص القرآن الكريم- حجة قاطعة لهذا السر.

فكما يحدد سلطان أياماً معينة في فترة حكمه، أو في كل سنة، سواء باسم تسنُّمه عرش الحُكم، أو في أي يوم آخر من الأيام الزاهرة لدولته، جاعلاً من تلك الأيام مناسبات وأعياداً لرعيته، فتراه لا يعامل رعيته الصادقين المستحقين في تلك الأيام بالقوانين المعتادة، بل يجعلهم مظهراً لإحسانه وإنعامه وأفضاله الخاصة. فيدعوهم إلى ديوانه مباشرة دون حجب، ويخصهم برعايته الخاصة، ويحيطهم بكرمه وبإجراءاته الاستثنائية، ويجود عليهم بتوجهاته الكريمة...كذلك القادر الأزلي ذو الجلال والإكرام...، قد أنزل سبحانه في شهر رمضان أوامره الحكيمة السامية، وقرآنه الحكيم المتوجه إلى تلك الألوف من العوالم؛ لذا فإن دخول ذلك الشهر المبارك في حكم عيد ومناسبة إلهية خاصة بهيجة، وفي حكم معرض بديع رباني، ومجلس مهيب روحاني، هو من مقتضى الحكمة. فما دام شهر رمضان قد تمثل بتلك المناسبة البهيجة، وذلك العيد المفرح، فلا بد أن يؤمَر فيه بالصوم؛ ليسموَ الناس -إلى حد ما- على المشاغل الحيوانية السافلة. فالكمال في ذلك الصوم هو جعل جميع حواس الإنسان، كالعين والأذن والقلب والخيال والفكر على نوع من الصوم، كما تقوم به المعدة. أي تجنيب الحواس تلك من المحرمات والسفاهات وما لا يعنيها من أمور، وسوقها إلى عبودية خاصة لكل منها.

فمثلاً: يروض الإنسان لسانه على الصوم من الكذب والغيبة والعبارات النابية، ويمنعه عنها، ويرطب ذلك اللسان بتلاوة القرآن الكريم وذكر الله سبحانه، والتسبيح بحمده، والصلوات والسلام على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، وما شابهه من أنواع الأذكار.

ومثلاً: يغض بصره عن المحرمات، ويسد أذنه عن الكلام البذيء، ويدفع عينَه إلى النظر بعبرة، وأذنه إلى سماع الكلام الحق، والقرآن الكريم، ويجعل سائر حواسه على نوع من الصيام.

ومن المعلوم أن المعدة التي هي مصنع كبير جداً، إن عطلت أعمالها بالصيام، فإن تعطيل المعامل الصغيرة الأخرى يكون سهلاً ميسوراً.





صوم رمضان علاج للقلب والروح والجسم


الحكمة الثامنة


قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن حكمة من الحِكَم الكثيرة لصيام رمضان المبارك المتعلقة بالحياة الشخصية للإنسان، تتلخص بما يأتي:

إن في الصوم نوعاً من أنواع العلاج الناجع للإنسان، وهو "الحمية" سواء المادية منها، أو المعنوية، فالحمية ثابتة طبًّا؛ إذ إن الإنسان كلما سلكت نفسه سلوكاً طليقاً في الأكل والشرب سبب له أضراراً مادية في حياته الشخصية. وكذلك الحال في حياته المعنوية؛ إذ إنه كلما التهم ما يصادفه، دون النظر إلى ما يحل له، ويحرم عليه، تسممت حياته المعنوية، وفسدت، حتى يصل به الأمر أن تستعصيَ نفسه على طاعة القلب والروح، فلا تخضع لهما. فتأخذ زمامها بيدها وهي طائشة حرة طليقة، وتسوق الإنسان إلى شهواتها، دون أن تكون تحت سيطرة الإنسان وتسخيره.

أما في رمضان المبارك فإن النفس تعتاد على نوع من الحمية بوساطة الصوم، وتسعى بجدٍّ في سبيل التزكية والترويض، وتتعلم طاعة الأوامر، فلا تصاب بأمراض ناشئة من امتلاء المعدة المسكينة، وإدخال الطعام على الطعام. وتكسب قابلية الإصغاء إلى الأوامر الواردة من العقل والشريعة. وتتحاشى الوقوع في الحرام، بما أخذت من أمر التخلي عن الحلال. وتجدُّ في عدم الإخلال بالحياة المعنوية، وتكدير صفوها.

ثم إن الأكثرية المطلقة من البشرية يُبتلون بالجوع في أغلب الأحيان. فهم بحاجة إلى ترويض، وذلك بالجوع الذي يعوِّد الإنسان على الصبر والتحمل. وصيام رمضان ترويض وتعويد وصبر على الجوع، يدوم خمس عشرة ساعة، أو أربعاً وعشرين ساعة لمن فاته السحور. فالصوم إذن علاج ناجع لهلع الإنسان وقلة صبره، اللذَين يضاعفان من مصيبة الإنسان وبلاياه.

والمعدة كذلك هي نفسها بمثابة معمل لها عمال وخَدَمَة كثيرون، وهناك في الإنسان أجهزة ذات علاقات وارتباطات معها، فإن لم تعطِّل النفس مشاغلها وقت النهار مؤقتاً لشهر معين، ولم تدعها، فإنها تُنسي أولئك العمال والخَدَمة عباداتهم الخاصة بهم، وتلهيهم جميعاً بذاتها، وتجعلهم تحت سيطرتها وتحكُّمها، فتشوش الأمر على تلك الأجهزة والحواس، وتنغص عليها بضجيج دواليب ذلك المصنع المعنوي وبدخانه الكثيف، فتصرف أنظار الجميع إليها، وتنسيهم وظائفهم السامية مؤقتاً. ومن هنا كان كثير من الأولياء الصالحين يعكفون على ترويض أنفسهم على قليل من الأكل والشرب؛ ليرقوا في سلم الكمال.

ولكن بحلول شهر رمضان المبارك يدرك أولئك العمال، أنهم لم يُخلقوا لأجل ذلك المصنع وحده، بل تتلذذ أيضاً تلك الأجهزة والحواس بلذائذَ سامية، وتتمتع تمتعاً ملائكيًّا وروحيًّا في رمضان المبارك، ويركزون أنظارهم إليها بدلاً من اللهو الهابط لذلك المصنع. لذلك ترى المؤمنين في رمضان المبارك ينالون مختلف الأنوار والفيوضات والمسرات المعنوية -كل حسب درجته ومنـزلته- فهناك ترقيات كثيرة، وفيوضات جمة للقلب والروح والعقل والسر وأمثالها من اللطائف الإنسانية في ذلك الشهر المبارك. وعلى الرغم من بكاء المعدة ونحيبها، فإن تلك اللطائف يضحكن ببراءة ولطف.





صوم رمضان يُعرِّف النفس وظيفتها الأساس في هذه الحياة


الحكمة التاسعة


قال بديع الزمان النُّورْسي:

إن صوم رمضان من حيث كسرُه الربوبية الموهومة للنفس كسراً مباشراً، ومن ثَمَّ تعريفها عبوديتها، وإظهار عجزها أمامها، فيه حِكَم كثيرة، منها: أن النفس لا تريد أن تعرف ربها، بل تريد أن تدعي الربوبية بفرعونية طاغية، فإن عُذِّبت وقُهرت، فإن عِرق تلك الربوبية الموهومة يظل باقياً فيها، فلا يتحطم ذلك العِرق، ولا يركع إلا أمام سلطان الجوع.

وهكذا، فصيام رمضان المبارك يُنـزل ضربة قاضية مباشرة على الناحية الفرعونية للنفس، فيكسر شوكتها، مُظْهِراً لها عَجْزها، وضعفها، وفقرها، ويُعرِّفها عبوديتها. وقد قيل: إن الله سبحانه قال للنفس: "من أنا، وما أنتِ؟"، فأجابت النفس: "أنا أنا، أنت أنت"، فعذبها الرب سبحانه، وألقاها في جهنم، ثم سألها مرة أخرى، فأجابت: "أنا أنا، أنتَ أنتَ"، ومهما أذاقها من صنوف العذاب، لم تُردع عن أنانيتها...ثم عذبها الله تعالى بالجوع، أي تركها جائعة، ثم سألها مرة أخرى: "من أنا، وما أنتِ؟"، فأجابت النفس: "أنتَ ربيَ الرحيم، وأنا عبدك العاجز".


إسلام ويب


قديم 2013-08-02, 20:47
رقم المشاركة : 2  
الصورة الرمزية يونس
يونس
:: سوفت ماسي ::
  • Algeria
افتراضي رد: من حِكَم صيام شهر رمضان المبارك
بارك الله فيك أخي سمير وجزاك الله كل الخير
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


من حِكَم صيام شهر رمضان المبارك


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »


الانتقال السريع


الساعة الآن 22:33
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc