قديم 2016-07-27, 05:53
رقم المشاركة : 1  
ابو ساره
:: سوفت مميز ::
  • Egypt
New عناية الإسلام بنظافة الباطن مع الظاهر

عناية الإسلام بنظافة الباطن مع الظاهر





عناية الإسلام بنظافة الباطن مع الظاهر

إن الدينَ الإسلامي يأمرُ بطهارة القلب والقالب، والظاهر والباطن؛ وكما حثت شرائعُ الأنبياءِ جميعاً على تطهير الظاهر وتطهير الأبدان من النجاساتِ والأثوابِ من المستقذرات؛ فقد حثت على تطهيرِ الباطن من الحِقدِ والحَسد والكفرِ والإلحاد والفجور والفسوق والتكبر والرياء؛ فالإسلامُ دينُ العقيدة الطاهرةِ من الشركِ والإلحاد والخرافات والأهواءِ الفاسدة ومما يُنكرهُ العقل السليم.

لذلك وصف الله المشركين بالنجس لما يقترفوه من شرك وعبادة للأوثان؛ فقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} ( التوبة: 28)؛ قال ابن كثير :” دلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلت على طهارة المؤمن.” وقال السعدي:” { نَجَسٌ } أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع اللّه آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنه شيئا؟”؛ وقال قتادة: ” سماهم نجسا لأنهم يُجنبون فلا يغتسلون ويُحْدثون فلا يتوضؤون.” (البغوي)

أيها المسلمون: إن للإنسان ظاهرا وباطنا؛ وإذا كان الإنسان يتجمل في الظاهر من أجل نظر الناس إليه ليرونه وهو على أجمل صورة؛ فكذلك ينبغي عليه أن يتجمل في الباطن لأنه محل نظر الخالق جلا وعلا يوم القيامة؛ وأعجبتني مقولة لأحد الحكماء يقول فيها: الخلق ينظرون إلى ظاهرك….والخالق ينظر إلى باطنك….فاحذر أن تُزيّن محلَّ نظر الخلق…. وتُقبِّح محلَّ نظر الخالق !!!! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ”.(مسلم)

وفي رواية أخرى لمسلم:” إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ”. قال الإمام النووي:” معنى ذلك أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى ، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته . ومعنى نظر الله هنا مجازاته ومحاسبته أي إنما يكون ذلك على ما في القلب دون الصور الظاهرة “.

عباد الله: اعلموا – يرحمكم الله – أن هناك منافذ حسية ظاهرية مفتوحة وموصلة إلى الباطن تؤثر على إنارة الباطن أو ظلمته حسب الأعمال المرسلة إلى الباطن ( القلب ) ؛ وهذه المنافذ الحسية هى : (البصر، السمع، النطق) أي (العين والأذن والفم) .. هذه منافذ مفتوحة على القلب، كيف تكون منافذ مفتوحة؟ أي: ما تنظر إليه تنطبع بسببه صورته في قلبك .. تماما، تلتقط الصورة وتحفظ في ذاكرة القلب .. إذا نظرت إلى شيء ظلماني انطبعت صورة ظلمانية في قلبك .. نظرت إلى شيء نوراني انطبعت صور نورانية في قلبك . وهكذا في بقية جوارحك؛

ويؤكد ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا؛ فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ؛ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؛ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.” (مسلم)؛

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ؛ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ؛ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ؛ { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }” (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)

فعلينا أن نغلق على القلب المنافذ المحرمة التي تظلم القلب وتسوده؛ ونبدلها بما ينور القلوب ويضيئها من طاعة وعبادة وذكر وتفكر وغير ذلك؛ إن فعلنا ذلك ذقنا حلاوة الإيمان في القلب؛ فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا؛ وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ؛ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.”( متفق عليه )؛

لذلك ينبغي عليك أن تجمل باطنك كما تجمل ظاهرك؛ لأن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بهما معا؛ وجمع بين طهارة الظاهر والباطن في أكثر من موضع في القرآن الكريم؛ منها: قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ} [المدثر:1-5]، فتطهيرُ الباطن { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ} متمثل في تطهير العقيدةِ وتنقيتُها من شوائبِ الشرك والكفر ِوالمعاصي؛ ذُكِرَ مع تطهير الظاهرِ { وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ}المتمثل في تطهير بدنِ الإنسانِ وثوبهِ وبقعتهِ، ليجمعَ المسلمُ بين النظافتينِ ويحافظَ على الطهارتين لينال محبة الله تعالى:{ إنَّ اللهَ يُحِبُ التوَابِينَ ويُحِبُ اُلمتَطَهِرِينَ}(البقرة: 222) .

ومن هذه المواضع: ما امتَّنَ اللهُ تعالى به على بني آدمَ بلباسِ الظاهر والباطن في قوله تعالى: { يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [الأعراف:26]. فقد خلقَ اللهُ لعبادِهِ الجَمَالينِ اللباس والزينة تُجْمِّلُ ظواهِرِهم، والتقوىَ تُجمِلُ بواطِنَهُم وقلوبهم. ومن هذه المواضع ما ذكره الله من حالِ أهلِ الجنّة في قوله تعالى:{ وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:11، 12]. فجَمّلَ الله وجوهم بالنضرةِ وبواطنهم بالسرور وأبدانهُم بالحرير.

فالإسلامُ حريصٌ على الأخذِ بنظافة الحسِ مع نظافةِ النفسِ؛ وصفاءِ القلبِ مع نقاءِ البدَنِ؛ وسلامةِ الصدرِ مع سلامةِ الجسد؛ وإنَّ الشريعةَ لا تأمرُ الأممَ واِلملَلَ أن يعيشوا كما تعيشُ الوحوش في جزائرِ البحارِ، وكهوفِ الجبال، وأكواخِ الأدغَال، كُلهم أو جُلهم يعيشونَ عُراةً أو شبهَ عُراة من غيرِ مراعاةٍ لنظافةِ الباطنِ والظاهرِ وحُسنِ الَمَظهرِ.

عباد الله: إنَّ المسلمينَ نماذجٌ رائعةٌ للطُهرِ والجمالِ عندما يُنفذونَ تعاليمَ دينهم في أبدانهم وبيوتِهم وطرقهم ومدنهم؛ وفي إقامة شعائر دينهم؛ ومنْ مظاهرِ الطُهرِ والنقَاءِ والجمَالِ والزّينَةِ في توجِيهاتِ الإسلام وإقامة شرائعه؛ هذهِ الصلواتُ الخمس فإنها تنظفُ الباطِنَ وتنهىَ عنِ الفَحْشَاءِ والمُنكَرِ، ووضُوءهَا يُنَظِفُ الظَاهِرَ؛ وبذلك جمعت الصلاة بين طهارة الظاهر والباطن؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ؛ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؛ قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا.”(مسلم) (والدَرَنُ: الأوساخ)؛ هكذاَ شَبَهَ النبيُ عليه الصلاةُ والسلامُ الصلواتِ الخمْس مزيلةٌ للذنوبِ كما يُزيلُ الماءَ الوَسِخَ عن الجِسم إذا اغتَسَلَ منهُ خمسَ مراتٍ؛

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها ؛ ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها ؛ ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها ؛ ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها ؛ ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ؛ ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا . ” ( الطبراني وحسنه ألألباني) ؛

وهكذا كانت الصلاة طهارة للظاهر والباطن معها؛ فعناية الإسلامِ بالنظافةِ والتجمُل والصحة والتطهر جزءٌ من عنايتهِ بمظهرِ المسلمِ وحياته بين المجتمعات.

فما أجملَ التجملَ بآدابِ الشرائعِ النبوية والحرص على طهارةِ النفسِ والظاهر والتجّمُلِ بالعملِ الحَسَنِ والقولِ الحسن.

إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


عناية الإسلام بنظافة الباطن مع الظاهر


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 13:53
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc