قديم 2016-09-04, 15:59
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية iyad05
iyad05
:: سوفت ماسي ::
افتراضي العراق والفتح الإسلامي

العراق والفتح الإسلامي



في العهد الإسلامي بعد الفتح أمر الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه– عتبة بن غزوان بتأسيس مدينة "البصرة" لتكون قاعدة إسلامية على الضفة الغربية من شط العرب، وذلك سنة (16هـ)، وفي عام (17 هـ) أمر الخليفة نفسه سعد ابن أبي وقاص بتأسيس مدينة "الكوفة".
وقد استقر في المصرين – بعد ذلك – العديد من الصحابة والتابعين، واتخذ أمير المؤمنين عليُّ – رضي الله عنه وأرضاه – مدينة الكوفة عاصمة له، وبعد استشهاده فيها بقي الحسن– سلام الله عليه – فيها فترة الأشهر الستة من خلافته إلى أن قرر التنازل المشروط لمعاوية على أن يعيد معاوية الأمر إلى الأمة بعده.....
وقد كانت إدارة العراق – في تلك الفترة – قسمة بين واليين يلقب كل منهما بـ "الأمير"، أحدهما يقيم في الكوفة، والآخر يقيم في البصرة، وكان الأميران يتوليان إدارة العراق – كما هو في حدوده الجغرافية اليوم وزيادة، فكان والي البصرة وأميرها يدير المناطق الجنوبية من العراق مضافاً إليها الأحواز وفارس وكرمان وسجستان ومكران وخراسان. أما أمير الكوفة فيشمل سلطانه أواسط العراق وشماله، إضافة إلى الأقاليم الشمالية من الهضبة الإيرانية بما فيها همدان وقزوين والري وأصفهان (1) .
ولمزيد من إيضاح وتدعيم هذا الثابت من الثوابت العراقيّة وهو ثابت "عربيَّة العراق ووحدته" واستمرار ذلك لآلاف السنين لابد من دراسة حضارات وادي الرافدين قبل الفتح الإسلامي– الذي نعتبره إحياء وتجديداً لعربيّة العراق كما هو أسلمة له صار يعزى إليه في العراق، وما آل إليه في ظل الإسلام من وحدة وتقدم وازدهار وعمران (2).
إنّ العراق – لأسباب كثيرة – احتفظ بالكثير من المزايا والخصائص التي ميزته عن الأقاليم الأخرى للدولة الإسلامية، فهو مركز الحضارات القديمة التي ترجع جذورها إلى آلاف السنين، وله من الصلات والوشائج بالعرب وبالجزيرة العربية وغيرها ما ليس للأقاليم الأخرى، واستيطان المئآت من الصحابة وقادة الفكر والرأي في مِصْريه العظيمين بعد الفتح الإسلامي– الكوفة والبصرة– أضافت إلى مزاياه مزايا أخرى، فليس بمستغرب– بعد ذلك – أن تنشط فيه التيارات الفكرية والسياسية التي غذتها الأحداث الكبرى المشار إليها. ولذلك بدأت فيه بدايات الفكر الفلسفي الإسلامي ومعها بدأت تظهر الفرق والتيارات الفكرية المختلفة التي كان معظمها مزيجاً من الدين في أكمل صوره، والعلم والعقل في أبهى مظاهرهما. وكان التنوع والتعدد من أهم مزاياه(3)، وقد اشتمل الأدب والتراث العراقيان على تراث ضخم متنوع في قضايا احترام المخالف في الرأي أو المعتقد أو الانتماء مما يحتاج إلى إحياءٍ ليستفيد به العراقيون وسواهم، وفي العراق تبلورت آداب الحوار والجدل والمناظرة والاختلافات باعتبارها وسائل لجعل التنوع والاختلاف مصادر قوة لا مصادر ضعف.
الثابت الثاني: إسلاميّة العراق في الفتح الإسلامي
تلك هي سمة العراق حين بدأ المسلمون فتوحهم ، حيث إن التخطيط لفتح العراق بدأ في السنة السادسة للهجرة حينما بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتاباً إلى كسرى أبرويز ملك الفرس يدعوه فيه إلى الإسلام، حمله إليه عبدالله بن أبي حذافة السهمي- رضي الله عنه – فمزق كسرى كتاب الرسول وبعث إلى عامله في اليمن أن أبعث إلى بهذا الرجل الذي في الحجاز أو برأسه.
وحين علم الرسول بأمره قال: "مزّق الله ملكه" وما لبث أبرويز إلا أياماً حتى ثار عليه ولده شيريويه واغتصب ملكه(4).
وفي العام الثاني عشر للهجرة جهز الخليفة أبو بكر- رضي الله عنه - جيشاً بقيادة خالد ابن الوليد لفتح العراق، وتم له فتح "الحيرة" التي كان سكانها عرباً، وبينهم وبين بقيَّة أهل العراق رابطة دم وتعاطف، وتجمعهم لغة واحدة ودم واحد.
الفتح الإسلامي ومراحله:
وحينما تطلب الموقف السوقي تدعيم جيش فتوح الشام كتب أبو بكر يأمر خالدا، الذي كان يعمل في فتح العراق وتحريره من الهيمنة الساسانية، بالتوجه بمعظم جيشه إلى الشام على أن يترك حامية يستخلف على إمرتها المثنى ابن حارثة الشيباني في العراق.
وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث حملة جديدة بقيادة سعد ابن أبي وقاص لتجديد الجهاد ضد الهيمنة الفارسية في عهد يزدجرد. سار الجيش الإسلامي ونزل بسهول القادسية جوار المكان الذي شيدت فيه الكوفة، وجرت معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون وقتل فيها رستم أحد مشاهير قادة الفرس، وقد تم ذلك في العام الخامس عشر للهجرة(5).
وفي عام (16هـ) أسس عتبة بن غزوان مدينة البصرة بأمر من الخليفة عمر على الضفة الغربيّة من شط العرب على بعد حوالي (17) كلم من الخليج.
اجتاز سعد بن أبي وقاص نهر الفرات واستولى على المدائن التي لا تزال بعض آثارها قائمة حتى الآن. متمثلة "بطاق إيوان كسرى" الضخم، ثم توجه الجيش الإسلامي شمالاً قاصداً جلولاء وتكريت والموصل.
وفي عام (17هـ) شيد سعد بن أبي وقاص مدينة الكوفة فأستقر في هاتين المدينتين (البصرة والكوفة) كثير من القبائل العربية وأصبحتا في أواخر عهد الخلفاء الراشدين وفي العهد الأموي من أهم مراكز الثقافة الإسلامية، التقت فيهما الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي ببقايا الحضارة الزائلة، كما ازدهرت فيهما التجارة بين الشرق والغرب.
إبقاء أرض السواد بأيدي أهلها:
يحدثنا التاريخ أن معارضة قوية جوبه بها سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه– حينما رفض تقسيم أراضي السواد بالعراق على الغانمين، مفضلاً بقاء الأرض بأيدي أصحابها الأولين قائلاً: (ألا وأنّ قريشاً يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا وإن ابن الخطاب حيُّ فلا، إني قائم دون شِعب الحرَّة آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار).
وفي عهد عثمان – رضي الله عنه – اقتنى رهط من الصحابة الدور والضياع، واستقر في العراق ما يزيد عن ثلاثمائة من الصحابة – رضوان الله عليهم – في مقدمتهم عبدالله بن مسعود الذي كان له أعمق الأثر في بناء قواعد مدرسة العراق الفقهية. وهكذا أصبح العراق جزءاً من الدولة الإسلامية الكبرى تعلو فيه كلمة الله وتطبق على أرضه شريعة الله، لم يجزأ، ولم يقسم، ولم تبعثر أرضه بين الغانمين.
كما تحول إلى قاعدة إسلاميّة متقدمة للفتوح المتوجهة إلى نواحي الشرق المختلفة، ومنها يجري إعداد الجيوش الإسلامية ومدها بالمقاتلة والمؤن. كما أصبحت الكوفة والبصرة مقرين أساسيين ومتقدمين للقيادة العسكرية الإسلامية في جبهة الشرق. فأمير البصرة يدير المناطق الجنوبية من العراق مضافاً إليها الأحواز وفارس وكرمان وسجستان ومكران وخراسان. وأمير الكوفة يتناول سلطانه إضافة إلى أواسط العراق وشماليه الأقاليم الشمالية من الهضبة الإيرانية بما فيها همدان وقزوين والري وأصفهان(6)، ثم انتقلت السلطة إلى والي "خراسان" بعد ذلك.
الكوفـة عاصمة الإمام علي:
وحينما بويع أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب – رضي الله عنه – بالخلافة واضطر لمغادرة المدينة اتجهت الأنظار إلى البصرة حيث بدأت بوادر تشير إلى قرب وقوع أول معركة أو فتنة داخلية أو حرب أهلية يخوضها المسلمون ضد مسلمين مثلهم في الدين واللغة والهدف والتاريخ تلك التي عُرفت بمعركة "الجمل" التي ذهب ضحيتها عشرة آلاف من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ولم تقتصر آثارها – في معظم تقديرات المؤرخين– على ذلك؛ بل تركت من الآثار الفكرية والفقهية والاجتماعية والانقسامات التي لا تزال الأمة تعاني منه حتى اليوم الشيء الكثير(7).
ثم اتجهت الأنظار مرة أخرى إلى الكوفة حينما اتخذها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – مقراً له وعاصمة، واستمرت كذلك إلى أن استشهد فيها وبايع مبايعوه لولده الحسن رضي الله عنه، الذي قضى الله تعالى به على الفتنة حيث تنازل بعد ستة أشهر من توليه الخلافة لمعاوية ابن أبي سفيان على شروط أفاض المؤرخون بذكرها .
وكان تنازل الحسن- رضي الله عنه - عملية جمع شمل للمسلمين وإعادة توحيد للأمة بعد الفرقة والفتنة، وكان ذلك من أعلام النبوة ودلائلها، فقد صحّ قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيه: "إنّ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين(8)".
يعد تاريخ ذلك التنازل النهاية الحقيقية للخلافة الراشدة وبقطع النظر عن اختلاف الآراء والمذاهب في حكم وحكمة هذا التنازل وآثاره فإنّ يوم وقوعه قد اعتبر البداية الحقيقية لقيام الدولة الأموية، كما اعتبر بداية لتحول الحكم والسلطان والإدارة المباشرة إلى الشام حيث يقيم خلفاء بني أمية وأعوانهم.
إنّ العراق لم يعد إقليماً كسائر الأقاليم التي دخلت الإسلام فتحاً أو صلحاً بل صار محضناً للإسلام لا يختلف عن المدينة أو مكة في الإنتاج الفكري، والتفاعل مع الإسلام، بل وصار مصدراً من مصادر إثراء وتأسيس الفكر الإسلامي بكل أنواعه: الفلسفي والكلامي والفقهي والتفسيري والحديثي واللَّغوي بكل فروعه. وإذا كان "التشيُّع" قد نشأ في المدينة فقد تبلور في العراق. أما المذاهب السنيَّة الأربعة المتبوعة فإن ثلاثة منها قد نشأت وتبلورت وأخذت أبعادها في العراق. وإذا كان الإمام الرابع مالكاً لم يعش في العراق فإنّ العراق قد احتضن مدرسة مالكية كان لها أثر بالغ في بلورة المذهب وإثرائه، وإنماء الفقه الخلافي أو المقارن فيه(9).
ومن هنا يتضح بشكل لا يقبل الشك أو الإزالة أنّ "إسلام العراق" هو ثابت ثان من الثوابت العراقية لا يمكن التشكيك فيه، ولا التنكر له ولا تجاوزه فضلاً عن نفيه. وهو في الوقت نفسه إسلام لا يقبل تضييقاً ولا تجزئة ولا تهميشاً، فهو إسلام بالمعنى القرآني النبوي الشامل للإسلام. فإذا كان هذا الإسلام يتسع لشيء أو يضيق عنه فلا بد من أخذ ذلك بنظر الاعتبار.
واستغلال الدين من بعض الحاكمين أو الفئآت والأحزاب لن يجعل العراقيين على استعداد للتنازل عن إسلامهم وإيمانهم بحال من الأحوال. ونبي الإسلام الأول أبو الأنبياء إبراهيم الخليل بدأ دعوته إلى التوحيد في جنوب العراق، حيث نشأ وترعرع، وتلقى النبوة وبدأ الدعوة إلى التوحيد والإسلام في مدينة "أور" قرب الناصرية في جنوب العراق. ومنها انطلق إلى ما عرف بـ "منطقة التجوال الإبراهيمي".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1- لمزيد من التفاصيل راجع الفصل الثاني "إدارة العراق" من كتاب "العراق في التاريخ" ص 321-340 مرجع سابق.
2- لمزيد من التفاصيل راجع: أطلس الحضارة الإسلامية للشهيدين إسماعيل الفاروقي، ولمياء الفاروقي، رحمهما الله، الطبعة العربية، ص 65-80. وكذلك كتاب العراق في التاريخ، مرجع سابق.
3- لمعرفة أهم الفرق والمذاهب والتيارات الفكرية التي نشأت في العراق يمكن أن نجد بعضه في الفصل الرابع من كتاب "العراق في التاريخ" مرجع سابق، ص 353-356. وكذلك كتاب الدكتور علي سامي النشار نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، وتاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة.
4- راجع: العراق في التاريخ، ص 262. مرجع سابق.
5- راجع: البداية والنهاية لأبن كثير، والكامل لأبن الأثير، والعراق في التاريخ، ص 315.
6- راجع الهامش رقم 16، وكذلك كتاب العراق في التاريخ، ص 323، وكتاب محمد حسين هيكل، الفاروق عمر، مبحث اجتهادات عمر.
7- معركة الجمل: سميت بمعركة الجمل نسبة إلى الجمل الذي كانت أم المؤمنين عائشة تركبه حين التقى الجمعان (جمع علي أمير المؤمنين وأتباعه، وجمع عائشة الذي رفع شعار المطالبة بدم عثمان). لمزيد من التفاصيل راجع: السيرة النبوية لأبن كثير وابن هشام، والبداية والنهاية وتاريخ الطبري والكامل لأبن الأثير.
8- الحديث رقم 3357 في صحيح البخاري، كتاب المناقب.
9- راجع كتاب: الإمام زيد، للشيخ محمد أبو زهرة، وفيه تفاصيل وافية عن الإمام زيد ومدرسته وبروز التشيع في المدينة المنورة.
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


العراق والفتح الإسلامي


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »


الانتقال السريع


الساعة الآن 23:52
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc