قديم 2016-02-13, 14:50
رقم المشاركة : 1  
الصورة الرمزية iyad05
iyad05
:: سوفت ماسي ::
افتراضي الدولة المرينية

الدولة المرينية



المرينيون، أو بنو مرين سلالة من البربر حكمت المغرب الأقصى وأجزاء من المغرب الأوسط، وسيطرت على مقدراته نحو قرنين ونيف بعد أن قضت على سلطة الموحدين فيه. يتحدر بنو مرين من بني واسين أحد بطون زناتة وجدهم الأعلى جرماط بن مرين؛ وإليه ينسبون. أما مؤسس دولتهم فهو أبو محمد عبد الحق بن أبي خالد محيي (محيو) المريني الذي انتخب رئيساً لبني مرين بعد أبيه المتوفّى سنة 591هـ/1195م.

كان المرينيّون قد استوطنوا الأجزاء الشرقية من المغرب الحالي منذ منتصف القرن السادس للهجرة/الثاني عشر الميلادي، ويحددها ابن خلدون بالمناطق الصحراوية الغربية من المغرب الأوسط بين جبل راشد وملوية وفيكيك إلى سجلماسة. وكانوا يعيشون حياة البداوة؛ يطرقون المرتفعات والأرياف صيفاً يرعون فيها قطعانهم، وينحدرون إلى مواطنهم شتاء يمتارون من الحبوب لأقواتهم، وتشير المصادر التاريخية إلى أول وجود لبني مرين في نزاعات محلّية مع أبناء عمومتهم من بني عبد الواد وبني يادين وبني يلومي ومغراوة ومع الموحدين. وقد غزا الموحدون جموع زناتة أكثر من مرة قبل أن يستفحل شأنهم، ودخل الجميع في طاعة الموحدين خلا بني مرين الذين لحقوا بالقفار في منطقة الزاب. أما بداية ظهورهم السياسي فكانت حين شاركوا في الجهاد في الأندلس بقيادة محيو بن محمد بن حمامة، وخاضوا معركة الأرك (591هـ/1195م) إلى جانب الموحدين، حيث أصيب رئيسهم بجراح، وتُوفِّي بعد عودته إلى المغرب. وتولى الزعامة من بعده ابنه عبد الحق، وبقيت في عقبه إلى انتهاء دولتهم.

بعد وفاة الناصر رابع خلفاء الموحدين بالمغرب سنة 610هـ اختلت أمورهم، واغتنم المرينيون الوضع، فغادروا القفار، وتفرقوا في جهات المغرب الأقصى، فاكتسحوا بسائطه. وحاول الموحدون ردهم وإخضاعهم، فصمدوا لهم في بلاد الريف، وهزموهم هزيمة منكرة. غير أن بني عسكر انفضوا عن أبناء عمومتهم، وانضموا إلى الموحدين، وتحالفوا عليهم مع بني عبد الواد وأكثر قبائل زناتة والقبائل العربية في المنطقة. وقتل عبد الحق سنة 614هـ، وتولى الزعامة ابنه عثمان الذي نجح في بسط سيطرته على قسم كبير من المغرب، وتوحيد زناتة كلها تحت لوائه، وإخضاع القبائل العربية، ومات غيلة سنة 637هـ، وقام بالأمر من بعده أخوه عبد الحق، فسار على نهجه، وتابع إخضاع المتمردين ومناهضة الموحدين يقتطع من أملاكهم جزءاً بعد جزء. ولإضفاء الشرعية على سلطته أمر بالدعوة للحفصيين في تونس وممالأتهم نكاية بالموحدين من بني عبد المؤمن حكام المغرب.

وفي عام 642هـ دارت معركة حاسمة بين الموحدين بقيادة الخليفة السعيد علي بن المأمون وبين المرينيين كانت الدائرة فيها على بني مرين، فانقلبوا إلى الصحراء، وقتل عبد الحق وابنه محمد، وتولى زعامتهم أخوه أبو بكر ابن عبد الحق المكنى بأبي يحيى الذي تمكّن من الاستيلاء على مكناس سنة 642هـ، ثم على فاس سنة 646هـ/ 1248م، واتخذها حاضرة له، كما استولى على سلا وسجلماسة سنة 653هـ. وأصبح المغرب كله مقسماً بين المرينيين في المغرب الأقصى (فاس) وبني عبد الواد في المغرب الأوسط (تلمسان) والحفصيين في إفريقية (تونس)، وانحصر الموحدون من بني عبد المؤمن في مراكش وما حولها. وقد ظل بنو عبد الواد الخصوم الرئيسيين المزاحمين لبني مرين مدة حكمهم.

تُوفِّي أبو يحيى سنة 656هـ، وخلفه أخوه أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق ابن محيو، وأطاعته بلاد المغرب كلها، وسار على نهج أخيه في إخضاع ما بقي من بلاد المغرب، وهاجمه بنو عبد الواد، فظفر بهم.
يعد أبو يوسف المؤسس الفعلي للدولة المرينية وسيد بني مرين على الإطلاق. ومن أهم ما قام به اتخاذه شعار الملك ولقب السلطان، واستخلاص مدينة سلا من أيدي النصارى الإسبان وطردهم منها سنة 658هـ. وفي عام 660هـ أرسل حملة من ثلاثة آلاف فارس اجتازت بحر الزقاق إلى عدوة الأندلس للجهاد، وهو أول من فعل ذلك من بني مرين. وزحف بجيش قوي لقتال الموحدين، فدخل مراكش سنة 668هـ/1269م، وهزم آخر خلفائهم أبا دبوس إدريس بن محمد، ثم توجه للفتح، فاستولى على طنجة وسبتة عام 672هـ، واسترد سجلماسة من بني عبد الواد، وصفا له المغرب كله، فقطع الدعوة للحفصيين في تونس، وطمح إلى ترتيب دولته وفق الشريعة الإسلامية وإضفاء الشرعية الكاملة على سلطته، فأعلن الجهاد، واجتاز المضيق إلى الأندلس بنفسه سنة 674هـ، وكان أمر الفرنجة فيها قد استفحل، فأثخن فيهم، وتوغّل في بلادهم، وغزا إشبيلية، وحاصرها، واستولى على شريش، وبنى بالجزيرة الخضراء مدينة حصينة؛ سماها «البنية»، ثم رجع إلى المغرب، فأقام بفاس، وبنى إلى جوارها المدينة البيضاء، وسكنها مع حاشيته وذويه، كما أمر ببناء قصبة مكناسة. ثم عاد إلى الجهاد في الأندلس سنة 676هـ، فانتهى إلى إشبيلية، وفتك بجموع الجلالقة عندها، واستولى على جبل الشرف وحصن قطنيانة وجليانة والقليعة، ثم تحول إلى قرطبة، ودخل حصن الزهراء وغيره، وكرّ راجعاً عن طريق غرناطة، فزار صاحبها ابن الأحمر، وعاد إلى المغرب سنة 677هـ. عاود يعقوب غزو الفرنج في الأندلس سنة 681هـ وسنة 683، واهتم بالبناء وتنظيم أمور الدولة، فشيد البيمارستانات، ورتّب لها الأطباء، وخصص بعضها لعلاج الفقراء والمساكين، وبنى المدارس لطلبة العلم، ووقف عليها الأوقاف، واستمر غازياً ومصلحاً إلى أن تُوفِّي بالجزيرة الخضراء بالأندلس سنة 685هـ، ودفن برباط الفتح. وجرت البيعة لابنه السلطان الناصر لدين الله أبي يعقوب يوسف بن يعقوب وهو في الجزيرة الخضراء، فرجع إلى فاس بعد أن نزل للسلطان محمد بن يوسف ـ ابن الأحمر ـ صاحب غرناطة عن ثغور الأندلس كلها ما عدا الجزيرة ورندة وطريف. وبعد أن رتب أموره في المغرب اجتاز البحر ثانية لقتال شانجة ملك الفرنجة الجديد، ودارت بين الطرفين معارك ووقائع تبادلا فيها النصر والهزيمة. وعاد أبو يعقوب إلى المغرب في شتاء 691هـ. ومع أن أبا يعقوب ظل سائراً على نهج أبيه في الجهاد والإصلاح والبناء طوال عهده، فإن العقبات التي وقفت في وجهه كانت كثيرة، فضاعت جهوده في الأندلس بمخالفة ابن الأحمر الذي مال إلى مهادنة ملوك الفرنجة والتخلي لهم عن كثير من الحصون خوفاً من سطوة بني مرين. كذلك لم يستطع بسط سلطة دائمة على المناطق النائية من المغرب الأقصى، ولا إخضاع بني عبد الواد، مع أنه أقام على حصار حاضرتهم تلمسان ثماني سنوات، وبنى في أثنائه مدينة المنصورة قبالتها، ومات محاصراً لها سنة 706هـ غيلة على يد خصيّ من مماليكه. ويعد أبو يعقوب أول من هذّب حكم بني مرين، وأكسبه رونق الحضارة، وكانت له صلات مع ملوك المشرق وشرفاء مكة الذين بادلوه الهدايا.

بلغت دولة المرينيين في عهد الملك المنصور أبي الحسن علي بن عثمان (731- 749هـ) أوج عظمتها، فقد تمكّن من إنهاء حكم بني زيان (عبد الواد) والاستيلاء على حاضرتهم تلمسان سنة 737هـ/1337م وضمها إلى بلاده وإن إلى حين. وقضى على حركات المتمردين، وانصرف إلى الجهاد في الأندلس، فأوعز إلى ابنه الذي كان أميراً على الجزيرة الخضراء بالتوغل في بلاد الفرنجة والعيث بها، وتجهز بنفسه للانتقال إلى الأندلس، وحاول الفرنجة منعه من الجواز بأساطيلهم، فدارت رحى معركة بحرية كبيرة سنة 740هـ كان النصر فيها للمسلمين، ورحل السلطان إلى سبتة، واجتاز البحر إلى جزيرة طريف، وكانت في يد العدو، فحاصرها، وفاجأ الفرنجة معسكره وهو بعيد عنه، فقتلوا من فيه، فعاد بجموعه إلى سبتة؛ ليعيد ترتيب صفوفه. وعلم بوفاة أبي بكر الحفصي صاحب تونس، فتوجه إلى تونس، ودخلها سنة 748هـ، واتصلت ممالكه من مسراتة في تونس إلى السوس الأقصى ورندة في الأندلس. غير أن القبائل العربية في إفريقية تمردت عليه، وحصروه في القيروان سنة 749هـ، فتسلل منها إلى تونس. وأشيع في المغرب أنه قتل، فانتقضت عليه زناتة، وكان ابنه أبو عنان نائبه في تلمسان، فدعا لنفسه، وبويع بالمنصورة، ثم انتقل إلى فاس، وخضع له المغرب. وعلم أبو الحسن بما جرى، فركب البحر من تونس في أسطول كبير(نحو 600 مركب) يريد المغرب غير أن الريح عصفت بسفنه، فغرق معظم من كان معه، ونجح هو في النزول على بر الجزائر في سفن قليلة، وتوجه إلى تلمسان، فقاتله بنو زيان (عبد الواد)، وكانوا قد استردوها، فلجأ إلى الصحراء، وانتهى إلى سجلماسة، ثم توجه منها إلى مراكش، فخرج إليه ابنه أبو عنان، وقاتله فانهزم أبو الحسن، واعتل بسبب ذلك، ومات سنة 752هـ/1351م. واستقر الأمر لابنه المتوكل على الله أبي عنان فارس بن علي بن عثمان. ترك أبو الحسن آثاراً كثيرة في المغرب، وكان له اشتغال بالأدب، ويجيد الشعر.
بدأ أبو عنان عهده بإخضاع بني زيان واسترداد تلمسان والقضاء على خصومه ومنافسيه. ثم توجه إلى تونس، فاستولى عليها وعلى قسنطينة، وعاد إلى فاس بعد أن بدت له ريبة في بعض قواده، ومرض فيها، فدخل عليه وزيره، وقتله خنقاً سنة 759هـ، وخلفه على العرش ابنه السعيد.

بمقتل أبي عنان تنتهي الحقبة الأولى من السيادة المرينية على المغرب التي اتصفت بالهيمنة العسكرية والتوسع في المدن والاستقرار في الحكم، وتبدأ الحقبة الثانية (759- 870هـ/1358- 1465م) بانقسامات داخلية ضعضعت البنيان السياسي للدولة، وجزأتها، وقلّصت ممتلكاتها حتى انهارت تماماً. وقد تميّز كل السلاطين المرينيين في المرحلة الأولى تقريباً بالفعالية والهمة والمقدرة العسكرية في حملاتهم، وطول مدة بقائهم في الحكم. في حين ضعفت سلطة السلاطين الذين توالوا على العرش، وتنازعوه في الحقبة الثانية (19 سلطاناً)، وتسلط وزراؤهم والمتنفذون من قرابتهم. فتوالت الأزمات والنزاعات بين أفراد الأسرة الحاكمة وأبناء عمومتهم، واستهلكت الحروب المتوالية مصادرهم، فسادت الفوضى البلاد، وطمع فيها الخصوم والبدو وقبائل العرب والبربر. وأدى غياب السلطة المركزية القوية إلى نشوب حركات انفصالية وتجزؤ أراضي الدولة في المناطق البعيدة عن العاصمة خاصة الجنوب على تخوم الصحراء، والشمال الذي أصبح هدفاً لأطماع البرتغاليين والقشتاليين، فاحتلوا تطوان وسبتة. وانتهت الدولة المرينية مع سقوط آخر سلاطين الأسرة عبد الحق بن أبي سعيد وإعدامه عام 869هـ بثورة شعبية تزعمها الفقهاء؛ وبيعة الشريف أبي عبد الله الإدريسي، ومن ثم تغلب فرع آخر من المرينيين من غير سلالة عبد الحق؛ هم الوطاسيون من آل الوزير سنة 875 هـ/1470م على شؤون المغرب الأقصى.
إضافة رد
 

مواقع النشر (المفضلة)


الدولة المرينية


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18
المواضيع و التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات سوفت الفضائية
ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ( ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر )
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc