قامت الحضارات القديمة ببناء بيوتها من الصخور، إلى أن اكتشف الإنسان مادة جديدة أصبحت هي الركيزة الأساسية لبناء كوكبنا! تلك هي الخرسانة “Concrete” التي نبني منها بيوتنا ونعيش بين جدرانها.

يعتبر الإسمنت هو المكون الرئيسي للخرسانة، وعملية تصنيعه هي واحدة من أكبر المساهمين في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فكيف لو تخلصنا من هذا المصدر المضر، لا وبل قمنا بتحويله إلى خرسانة جديدة نستخدمها لبناء بيوتنا؟
تصل نسبة إنبعاثاث الكربون الناتجة من الخرسانة إلى حوالي 5% من إنبعاثات الكربون على كوكب الأرض، بينما المصدر الأكبر من هذه الانبعاثات ناتج من الغاز المنبعث من المداخن الموجودة في محطات توليد الطاقة في جميع أنحاء العالم.

وقد قام فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا UCLA بحل فريد يمكنه المساعدة في القضاء على هذه المصادر من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتمثلت خطتهم في إنشاء عملية مغلقة الحلقة في التقاط ثاني أكسيد الكربون من مداخن محطات توليد الطاقة واستخدامها في تصنيع مادة بناء جديدة أطلقو عليها CO2NCRETE”” وهي كلمة مستوحية من اسم الخرسانة “Concrete”، ليس هذا فقط! لكن الجديد هنا أيضًا هو أن عملية التصنيع تتم باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد، وهذا كله يندرج تحت مايسمى بإعادة التدوير للأفضل upcycling”“.
لم تكن هذه هي المحاولة الأولى لالتقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من محطات توليد الطاقة، فقد تم القيام بذلك من قبل!
وليست الفكرة في إلتقاط المزيد من الغاز، ولكن بدلا من ذلك فإنه يتم تخزينه لاستخدامه لعمل نوع جديد من مواد البناء تحل محل الإسمنت، إضافة إلى أن التحدي هنا هو كيفية الإستفادة منه بمجرد التقاطه.

تتم العملية عن طريق اتحاد الجير مع ثاني أكسيد الكربون لإنتاج مادة شبيهة بالإسمنت والتي تتحد مع الرمل والماء لإنتاج الخرسانة عند درجة حرارة تصل إلى 1500 درجة سيليزية، ينتج عن هذه العملية ثاني أكسيد الكربون أيضًا والذي يتم استخدامه مرة أخرى.
وقد تم إنتاج مادة البناء الجديدة فقط على نطاق المختبر، حيث تم تشكيلها إلى أشكال مخروطية صغيرة باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد، وسيقوم العلماء بعملية زيادة حجم المواد ثم تجريبها تجاريًا، فالطابعة ثلاثية الأبعاد تستخدم مثلًا في بعض الوقت في عالم الطب الحيوي مع الاهتمام بالدقة والجودة، لكن في مجال البناء ستهتم بالإضافة إلى ذلك بالمقياس،فبدلًا من طباعة جسمًا طوله 5 سم فستطبع حزامًا خرسانيًا بطول يصل إلى 5 متر.
ومن الجدير بالذكر بأن الصين هي أكبر منتج في العالم للغازات المسببة للاحتباس الحراري يليها الهند، يمكن لهذه التقنية الحد من ذلك عن طريق استخدام الغاز الناتج من المداخن والمصانع في بناء المدن وتوسيع شبكات الطرق.

ويأمل الباحثون في جامعة كاليفورنيا في الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في محطات الطاقة التي تعتمد بشكل أساسي على وقود من الفحم.
ونلخص القول بأن هذه التقنية تحد من مشكلة الغازات المنبعثة، بل وتستفيد من هذه المشكلة عن طريق تحويلها إلى منتجات ذات قيمة وفائدة نحن بأمس الحاجة لها.